غسان كنفاني رعدٌ ونحن بلا أمطار
سليم النجار
08-07-2022 10:12 AM
فكروا معي قليلاً ربما أقتنعتم بأنني أكتب عن ذكرى الشهيد غسان كنفاني "٥٠" خارج مدار اللطم والحنين والاستغراق في ما مضى وإن وُجدت من نسخ الماضي، لأن حديثي عن غسان كنفاني كماضٍ تحقق وإكتمل، لأن هذا الماضي كانت هزائمه منكرة، ورائحة الخيانة كانت العطر اليومي لجيل اتقن الجبن كثقافة.
فالبكاء على الأطلال أصبحت عادة سرّية، كلماته كقرصان يعتلي صهوة خيول الكذب.
أصبحنا نعاقر ذكرى الشهداء، وشقاء الأحرف تعفينا من ولع الهجر، ولا نحزن لأن الأيام - أيام الحاضر- سُرقت منّا وفُضت بكارة التاريخ الذي نعيشه، وكتُب يافطة غير طويلة أننا عصاة، لا نفقه من الذكرى إلا الندب، أو الذهاب إلى السراب.
نكتب في رثاء غسان كنفاني نثرا مسخا لا نظم ولا ما يحزنون، ركام هائل من الكلمات لا طائل منها، وصراخ أجوف وهواء، قد ضاع في مسيرة التعقل وتدبير الأمور والتبصر، مفردات لا تجتمع إلا في قاموس النعيق والنقيق.
مساحيق كلماتنا تضع على وجه الذكرى، لتتحول لوجه دميم، فغسان كنفاني عاش لهدف واحد لا غيره فلسطين أولا وفلسطين أخيرا، كان لا يعرف طعم النوم ولا مذاقه، فهو عضو فاعل في حركة القوميين، وبعدها عضو في المكتب السياسي للجبهة الشعبية، ورئيس تحرير الهدف الناطقة باسم الجبهة، وهو قاص وروائي وقبل هذا وذاك صحفي وفنان تشكيلي، إذا هو هذا الجمع من الإبداع، لم يبحث عن جوائز، أو يكتب للهوى، أو يقول رأي في العلن، وفي السرّ يمارس غواية الشيطان، ويتغنى بنعم الدولار.
لم يصمت في سرده وكتب كعربي فلسطيني، وكانت في قاموسه الهزيمة هزيمة، والخيانة خيانة، لم يحتفل بنظريات سياسية قائمة على الهوان، ولم يحتاج لنرجسية خشنة معلقة في مشنقة الجهل مع وقف التنفيد.
كلماته كانت تركض خلف الثعالب التي تتلوى كثعبان، ولم يعقد صفقات لقصف التاريخ- تاريخنا- ولم يكن مشدودا للغيب، فالحقيقة عنده واضحة، فلسطين عربية، لا تُباع في الأسواق وكواليس الأحزاب، وفي مخادع المثقفين أيضا، وما تبقى من مدّرجات الجامعات وعتمة تلك الدهاليز مواعيد للقاء، وتقبله الجميع يسارا ويمينا، وباسم فلسطين يصبح كل شيء مُباح، لم يفعلها غسان الشهيد بقدر ما فعلها غسان الحي، فغسان العربي الفلسطيني أحب كباقي البشر، حتى عشقه التهمته مطابع الورق، لتعلن على الملأ إكتشاف السرّ العظيم فغسان قد أحب!
فيا غسان الشهيد أرعد فصوتك سلم الرعد وكلماتك نوتته الرعدية، ومطرنا ما زال يئن من فقر السحاب، فأنت الشهيد الحي يا غسان وربما بتنا نحن الأموات الذين رحلوا قبل أن يعرفوا طعم ورائحة المطر، أموات قتلهم الإنتظار.