أسرى الحرية يضيئون الحياة
سليم النجار
07-07-2022 08:47 AM
مجموعة قصصية "عطر الحياة وقصص اخرى" للقاص الأسير سائد سلامة "ينتظر فرح لا اسم له"
لماذا يكتب الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الأسرائيلي؟ هل لأن الزمن متقطع؟ أو لأن الرؤية ناقصة وضيقة والفلسطيني تقلّص وأضمحل؟ أم تُرى ينبعث من الإبداع ليرسم حياة جديدة خلف قضبان السجن؟ أم هل لأن السجان قليلٌ ومحدودٌ لا يمكن تقاسمه؟ أم لأن الذين بلعوا كل شيء ما ابقوا لغيرهم إلا ظلال الحرمان يتمرغون فيها ويَثحُون التراب فوق الأرض تحت اللحد؟ أم كما قال النِّفّري: " كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"؟
سائد سلامة القاص الفلسطيني الأسير في سجون الأحتلال الأسرائيلي، تجاوز العبارة والرؤية في مجموعته القصصية " عطر الإرادة"، الصادرة عن دار الرعاة في رام الله - دار جسور في عمان - ٢٠١٨، وقص علينا على بياض الورق في معتقله قصص قصيرة، كانت نافدذة حريته وبوابته المشرعة على الحياة.
سائد سلامة من مواليد القدس ١٧/ ١١/ ١٩٧٦ - حائز على شهادة البكالوريس في الكمياء من جامعة القدس "كلية العلوم والتكنولوجيا".
أعتقل في انتفاضة الأقصى (٣٠/٣/٢٠٠١) بتهمة مقاومة الإحتلال الإسرائيلي! يمضي حكما بالسجن الفعلي لمدة ٢٤ عاماً في زنازين الإحتلال، أمضى منها ١٨ عاما حتى الآن.
المكان في فن القص هو حيز تواجد الشخوص والأشياء، أيضا هو البعد الظاهر/ الخفي في العمل، ثم هو من عناصر التجسيد لجملة الأفكار والرؤى لدى القاص، إنه إذن البوتقة التي بها وفيها تكمن الأفكار والمشاعر وتبرز من خلاله الأحداث والصراعات بين الإنسان ونفسه، بينه وبين الآخر بل مع الأشياء من حوله، ويعرض سائد سلامة في قصته " اللقاء المنتظر"، ( إننا نفرح لأن فرحنا يعني فرح ذواتنا، آبائنا المتعطشين للحرية، هكذا أخبرني أبي، إن فرحنا أمل وهذا الأمل نبثُّه إلى آبائنا خلف القضبان حتى يعودوا إلينا ص٣٨)٠
لذا نجد القاص سلامة قد وظف المكان كبعد ظاهر "فرضا" بمعنى المرئي المتاح داخل قصصه حيث ينهض القاص- قدر كفاءته - على إعادة خلق الأماكن واستحضارها في ذهن القارئ كما فعل في قصته "حُب في زمن الحرمان"، ( جلس إلى الطاولة في المطبخ، واخذ يرشف قهوته، كان مأَخوذًا وسائحًا في عالمه الخاص، وتحول إلى فسحةٍ تحوى عناصر البهجة والسرور، مذاق القهوة المُرّ بعث في روحه نشوةً ما، جعلته ينفلت من إسار حالته المُعتادة، فللقهوة المُرَّة مذاق فريد لا تضاهيه أيةُ لذة عنده ص٥٦- ٥٧).
هذا الاستحضار عكس المسرح الذي هو فن المساحة - أما الفن القصصي خاصة يحيلنا إلى بعض الأماكن دون غيرها التي لها مدلولاتها المتميزة، كما في قصة " كأَنني تحررت" ( كانت هذه آخر عبارات التذُّمر التي تناهت إلى مسمعي، قبل أن أندس في فراشي وأذهب في نومي العميق الذي قطعه العَدُّ الصباحي ص٩٢).
أكثر تلك الأماكن شدا للانتباه هو" السجن"، لذا فان الحرية ثرية بما يسمى مجازا ( المكان/ الفكرة) أو ( اللفظة/ الفكرة) أو ( الحادثة / الفكرة) بما يعني أن جملة المشاعر المكثفة التي توحي بها تلك الأماكن أو الألفاظ أو الأحداث مثل قصة"عطر الإرادة"،(حيث الجدار الزجاجي يفصل بين وجهين، ويوحّد وجعين كان يمور تواليا على ضفتيهما، وكانا يتسربان فيه بحكم التآلف ص١٢٨).
ولعل من أهم الخصائص الفنية والتكنيكية للسمات الوظيفية للقصة القصيرة في المعتقل هي:
١- غالبا ما تكون المفردات اللغوية موحة، حادة، مباشرة، وصفية مثل، ( الظلمة،الغضب، ألم، الهجران).
٢- التعبير البسيط المباشر، ولأنه يشير إلى الأضداد فيبدو بليغا بلاغة خاصة: ( رغبة عارمة، فَتح عينيه وتمطّى متثائبّا، وعلى نحو مباغت أطلق سؤال الأختبار، الهيبة سيدة الموقف).
المعتقل بين الأستاتيكية والديناميكية ٠٠٠ أن ذلك الحيز الضيق المسمى المعتقل يشي للوهلة الأولى بالأستاتيكية المملة التي قد تشوب العمل القصصي ٠٠٠ إلا أن القاص سائد سلامة نجح من خلق مونولوج وديالوج وحلم واستخدام التذكر وغيره يحيلنا إلى ديناميكية حقيقية تنزع فورا صفة الملل عن ذلك الأدب - أدب السجون.