تصريح خطير أدلى به وزير العمل، نايف استيتية، خلال استضافته أول من أمس في قناة المملكة الفضائية، يتمثل بـ”أن خط الفقر يُعتبر 550 دينارًا تقريبًا، بينما تُشير آخر الإحصاءات حول أرقام هذه الآفة إلى 15 بالمائة”، من مُجمل سكان المملكة، البالغ نحو 10.6 مليون نسمة، من بينهم 7 ملايين أردني.
الحُكومة بتصريح مثل هذا يصدر عن أحد وزرائها، وكأنها تُدين نفسها، خصوصًا أن نحو 80 بالمائة من العاملين في القطاع العام وأجهزة الدولة المُختلفة، لا تتجاوز رواتبهم الشهرية الـ500 دينار، ولا أُبالغ إذا ما قلت بأن الموظف الحُكومي يتقاضى هذا الراتب بُعيد نحو 5 إلى 7 أعوام من العمل.
لا أُعيب تصريحات وزير العمل، عندما قال إنه “لا حديث الآن عن رفع الحد الأدنى للأجور”، الذي يبلغ 260 دينارًا شهريًا.. لكن المُلفت للنظر أن مثل هكذا تصريحات تصدر من قلب مصنع الحُكومة، والتي يوحي حديث وزرائها بأنها “تائهة” أو فاقدة لـ”بوصلتها”، ففي الوقت الذي تقول فيه إن خط الفقر 550 دينارا، تؤكد في ذات الوقت بأنه لا رفع للحد الأدنى للأجور.
بعيدًا عن كُل ذلك، فإن التصريحات الحُكومية تلك، تدل على مزيد من تهميش الطبقة الوسطى، لا بل والقضاء على أكثر من 80 بالمائة منها، خصوصًا أنه لا يوجد أرقام دقيقة عن حجم هذه الطبقة، والتي تُقدر بـ29 بالمائة من مُجمل سكان الأردن، وفق إحصاءات رسمية، تعود إلى العام 2010، بينما تُقدر بـ27.8 بالمائة، حسب مسح دخل ونفقات الأُسرة للعام 2013 – 2014.
معلوم بأن الطبقة الوسطى، أهم طبقة في أي مُجتمع، وتتحمل نصيب الأسد في بناء المُجتمعات وتطورها وازدهارها.. الأمر الذي يضع أكثر من إشارة استفهام وتعجب لعدم اكتراث الحُكومة لـ”تلاشي” هذه الطبقة، وما يدل على ذلك هو تلك الإحصاءات، والتي مضى على إجراء آخر واحد فيها نحو عقد من الزمان.
الاهتمام بهذه الطبقة، مطلوب من ناحيتين، الأولى أنها تُعتبر صمام أمان للدولة، إذ تستحوذ على حوالي ما بين 75 بالمائة و80 بالمائة، من إجمالي عدد السكان، فعندما يتم “تهميشها”، سيتأثر الوطن عاجلًا أم آجلًا، فالطبقة الغنية نسبتها لا تتجاوز الـ10 بالمائة في أي دولة، والطبقة الثالثة هي الفقيرة جدًا والتي تتجاوز نسبتها 15 بالمائة.
والناحية الثانية، حتى نُحافظ على نسبة الطبقة الفقيرة، والتي يجب ألا تتجاوز الـ15 بالمائة، فمن الأمور البديهية أن انخفاض نسبة الطبقة الوسطى، حتمًا يعني ارتفاع نسبة الطبقة الفقيرة، ففي حالات قليلة جدًا، يكون هُناك أُناس من الطبقة الوسطى، ويتحسن حالها لتُصبح في مصاف أبناء الطبقة الغنية.
إلى جانب أن الطبقة الوسطى، أكثر استهلاكًا، الأمر الذي يعني تحريك العجلة الاقتصادية، بشكل مُتكامل، فالجميع يستفيد من هذه الطبقة، سواء التجار الكبار على اختلاف مجالاتهم، أو المهنيين وأولئك العاملين بالمياومة أو على القطعة.
ارتفاع خط الفقر، وعدم رفع الحد الأدنى للأجور، وتهميش الطبقة الوسطى، جميعها أمور يدق كل واحد منها أكثر من ناقوس خطر، في حال بقيت بلا غطاء حُكومي، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل عام، أكانت غذائية أم مُشتقات نفطية، وجميعها تؤثر سلبيا في حياة المواطن.
(الغد)