لا يخلو نص لكاتب اردني, يعالج امراض المجتمع واحداثه الصادمة, من خلاصة تقرر ان سبب امراض المجتمع وظواهره الصادمة, هو الابتعاد عن الله, وانخفاض منسوب الوازع الديني, فاسباب ارتفاع الغضب عند الاردنيين, كما يراها بعض المحللين واسترشد بنص منشور, «تشتد مع غياب الدين، والسكينة والتعلق بالله، أيضا، وكلما ابتعدنا أكثر، شقت علينا الحياة، حيث التيه الأكبر، وسط هذه الظروف المعقدة التي تتنزل علينا كل يوم", ومع الاحترام, فإن هذا يتناقض مع كل استطلاعات الرأي الصادرة عن مراكز الدراسات, والتي تقول إن 75% من الشعب الاردني هو?مجتمع متدين.
استسهال التحليل, يعني اننا امام تشخيص خاطئ, وهذا يعني صرف علاج خطير, قد يفضي الى وفاة المريض, او له اعراض جانبية اخطر, نراها يوميا, على شكل عنف وتطرف اجتماعيين, ولن يكون آخرها ما فجعنا اليوم عن حادثة قتل طفلتين بلا ذنب او جريرة, وسبق ان داهمتنا مثل هذه الاحداث المفجعة, حتى لا تصدمنا الحادثة, او نبحث لانفسنا جميعا عن مبرر للصدمة, واول حادثة شقاء أسري تعامل معها الاعلام كانت في تسعينيات القرن الماضي, وعالجها الاعلام بطريقة غرائزية, كما هي معظم المعالجات المستندة الى تحليلات وهمية, على غرار التحليل السابق, ال?ي يجلب اللايكات من جمهور الموتورين الراغبين بنفي العلم ونفي الدين في آن واحد.
نهرب جميعا من مواجهة المجتمع وامراضه, ونستسهل إلقاء اللوم على حكومة او وزير أو وزارة, علما اننا جميعا في قفص الاتهام دون استثناء, فنحن نريد مجتمعا ماضويا, او سلفيا للدقة, مستقبلنا حسب هذه التحليلات هو ماضينا, الذي كان تقدميا بكل معاني الكلمة, حسب منطق عصره, فإن تتحدث عن حق المرأة في مجتمع يعيش حالة وأد البنات, هو حديث تقدمي, ولكن ان نقف فقط عند النص دون مراجعة وتطوير فهذا أمر جمودي سيفضي الى الوقوف عند عدم الوأد, وبالتالي نرى كيف ان قتل المراة او طعنها, بات سهلا ويمر مرور الكرام, لدينا اكثر من سبعة الاف مس?د ولا يوجد لدينا جامع واحد, بمعنى الجامع, الذي يشكل المسجد احد ادواره وليس كل الدور, فلماذا اذن نشكو من قلة الدين, ولا نجرؤ على القول اننا نشكو من ظاهرة التدين والتزلف بالدين.
كتابتي فى هذا الموضوع ليست من قبيل نقدي للآخرين، بل من قبيل نقدي لنفسي أولاً، فما جاء في السطور السابقة, تعبير عما ألاحظه فى الكثيرين منا، بمن فيهم أنا, وكما قلت من قبل فإننا شعوب تحكم على الأمور بمعايير مختلفة، أحدها، وهو المعيار الحقيقى، الهوى الشخصي والمصلحة الذاتية، لكن أمام الناس نقول كلاماً للوجاهة الاجتماعية أو المكاسب الاقتصادية أو المصالح السياسية, نقول ما لا نفعل إلا إذا خشينا الفضيحة، ونفعل ما لا نقول إلا إذا كانت هناك مصلحة, من عاش خارج منطقتنا العربية قليلاً يكتشف أن الفجوة بين الفعل والقول عن? أبناء المجتمعات الأخرى وتعدد الأقوال وتعدد الأفعال ليست بنفس الحجم الموجود فى منطقتنا, لدينا فائض نفاق يظهر فى أحاديثنا ومواقفنا, فنحن مجتمع لحظي او حدثي, نعيش اللحظة, والباقي متروك لقادم الايام.
راجعوا كل الاحداث التي هزت المجتمع, كيف مضت بعد يومين او ثلاثة بالاكثر, والسبب اننا امام مجتمع غير مدني, رغم كثرة مؤسسات المجتمع المدني التي كرّست المظاهر والاكسسوار ولم تنجح في حملة واحدة فقط, لانها ببساطة تبحث عن التمويل والعائد المالي وغير مؤمنة بما تقول الا من رحم ربي, فكل تجار المؤسسات المدنية يعيشون حياة باذخة, ويطلقون توصيات من باب ابراء الذمة, وفي مناطق الرفاه وقاعات الخمس نجوم.
omarkallab@yahoo.com
الرأي