لتنفيذ القوانين: بناء البشر قبل الحجر
عوني الداوود
06-07-2022 12:16 AM
تقع كارثة في العقبة فنعيد النظر بقوانين وإجراءات السلامة، ونكتشف تعيينات ليس لها داع فنعيد النظر بالهيكل الوظيفي ونغيّر في الوظائف.. تقع جريمة قتل داخل احدى الجامعات فنعيد النظر بالمنظومة الأمنية في الجامعات ونضع كل سبل الضبط والربط للحفاظ على الامن الجامعي..
تحدث حادثة تسمم غذائي في مطعم فنعيد النظر بقوانين المواصفات والمقاييس والدواء والغذاء ونزيد لجان المراقبة والتفتيش بداع وبغير داع.. تقع كارثة طبية وصحية وإنسانية في مستشفى بسبب نقص أسطوانات الاوكسجين وغيرها من الأسباب، فنقيل المسؤولين ونشدّد على إجراءات السلامة والاحتياطيات من أجهزة وتوابعها.. حادثة غرق ضحاياها أطفال وطلاب فنشكل لجان تحقيق ثم نشدد من الإجراءات.. الى آخر هذا المسلسل المتواصل الذي يؤكد أننا دائما ننشط ونتحرك بعد وقوع المشكلة ولا نتخذ الاحتياطات قبل وقوع الكارثة.
نحن نؤمن بالقضاء والقدر، والحمد لله، ولكن أين اعقل وتوكل فالإهمال لم يكن يوما مبررا لوقوع الأخطاء وفجائيتها.. ونحن دائما ننشط في ردّات الأفعال بدلا من أفعال وقائية مسبقة تقينا - قدر الامكان - أخطار ما قد يقع نتيجة عدم اخذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة للحؤول دون تكرار الاخطاء ووقوع الكوارث.
المشكلة تكمن في نقاط ثلاث:
1- أننا نتخذ ردات فعل مباشرة وآنية لا تلبث أن تتلاشى أهميتها بعد زمن من وقوع الحوادث والدلائل والشواهد كثيرة.. أذكر منها هلى سبيل المثال لا الحصر: كل إجراءات التشدد الصحي للوقاية من جائحة كورونا.. أين هي؟؟ فجأة تلاشت رغم ان الاخطار لم تنته بعد ،وواجب الوقاية يحتم الاستمرار بالإبقاء على الحد الأدنى على الأقل من الوقاية الصحية من جائحة كورونا وغيرها؟
2- تنقصنا دائما المتابعة لما بعد الحدث .. بعد وقوع الحوادث والكوارث للتأكد من استمرارية اتخاذ الإجراءات المطلوبة.
3- الأهم من كل ما تقدم ،ان علينا الاعتراف بانه لا تنقصنا ابدا القوانين ولا الأنظمة ولا التعليمات.. فنحن وبشهادات إقليمية ودولية من اكثر وافضل الدول في سن التشريعات والقوانين الناظمة لكل شيء.. ولكننا مع الأسف الشديد في ترتيب متأخر بتطبيق القوانين والتشريعات التي نسنّها.. والأسباب في هذا المجال يطول شرحها لان فيها تشابكات تتعلق بالأخلاق والتربية والثقافة والبيئة والمجتمع .. وغيرها من الأمور التي تحتاج الى اختصاصيين في كل مجال ليشرحوا لنا لماذا لا يتم تطبيق وتنفيذ القوانين كما يجب في الأردن؟
لدينا قوانين سلامة عامة وبيئة لكن لا يتم تنفيذها ؟ لدينا قوانين بيئية متقدمة بالمناسبة وتغرّم وتعاقب حتى من يلقي نفايات من شبابيك المركبات او من يبث سموما في الطرقات نتيجة العوادم الملوثة للبيئة ،ولكن من يخالف ومن يحاسب ومن يطّبق قوانين البيئة ؟ في حين لا يجرؤ أحد على ارتكاب مثل هذه المخالفات وأقل منها في دول مجاورة وغير مجاورة ، لماذا؟ .. لان القانون هناك يطبّق ولا يقبل واسطة مخالف للقوانين ،ويردع كل من تسول له نفسه تجاوز القوانين؟!
وهنا أتذكر واحدة من اعظم عجائب الدنيا وهو « صور الصين العظيم « الذي بني لحمايتها وكلف الكثير من أرواح البشر ومن المال ومن الجهد والوقت ..لكن تم اختراقه في احدى المرات من قبل حراس سمحوا بذلك ..حتى خرجت مقولة :» ان بناء البشر أهم من بناء الحجر».. وبالفعل. فنحن لدينا قوانين رادعة وصارمة - على الورق - لكن المشكلة تكمن في عدم التنفيذ ، وفي كل مرة نعدّل .. ونشدّد ..ونزيد في الغرامات ..و لكن من يضمن التنفيذ ؟ ولن أدلل على ذلك بأمثلة حتى لا يساء الفهم لان الشواهد يراها الجميع .. نحن باختصار بحاجة الى إعادة تأهيل وتدريب معظم من ينفذون القوانين - كل القوانين - قبل ان نعدّل او نغّير القوانين ..( وكأنّ الحق على القانون )... ابدا « الحقّ - كل الحق- على من لا ينفذ القانون «.. وهذا ما يجب العمل عليه لحماية أنفسنا وغيرنا والوطن بصورة عامة.
(الدستور)