قبل خمسة عشر عاما .. حذر جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، زعماء الشرق الأوسط من عدم اللحاق بقطار السلام وذلك عشية انطلاق عملية السلام في مدريد.
وبرغم أن جميع الأطراف سارعت للركوب في القطار .. إلا أن السلام لم يستقل ذلك قطار السلام الأمريكي واكتشفوا فيما بعد أنهم استقلوا قطار حرب إسرائيلي ومنذ حين لا زالوا يبحثون عن السلام.لقد التئم اجتماع مؤخرا ضم عددا ممن شاركوا في المؤتمر آنذاك في مدريد .. إنها سيسيولوجيا المكان .. للبحث عن الذات.. فالعثور على الأشياء يستحضر التاريخ في مخيلة الإنسان ويتيح العيش في ذكريات الماضي.
قبل عقد ونيف شاركت بتغطية مؤتمر مدريد .. حيث بشر إسحق شامير ، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك الذي - جلس خلف منضدة من الحجر في قاعة المؤتمر حيث سجيت عليها جثامين ملوك أسبانيا على مر السنين - بأن السلام قد قد يستغرق عقدا من الزمن لرغبته في الحرب وقد غاب السلام دون رجعة.
خلال تلك الفترة ..عبرت حالة الاحتقان بين العرب وإسرائيل بسبب سياسة الأخيرة التوسعية عن حالها بأحداث النفق عام 1996 والحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في آذار 2002 التي أسفرت عن إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية فأضحت "إنجازات" أوسلو غبارا ثم تبعتها الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وتوجت تلك الحروب بغزو العراق.
السلام المفقود لم يغب واقعا فحسب .. بل غيب قادة بارزين شاركوا في عملية السلام مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي نال جائزة نوبل للسلام مناصفة مع شمعون بيرس وسبقه من قبله إسحق رابين الذي اغتاله صهيوني متطرف في ساحة السلام وسط تل أبيب.
وطالت ثقافة الحرب والعدوان الإسرائيلية سمعة وسلوك شخصيات بارزة تقلدت مناصب هامة، تمثلت بما اصطلح على تسميته فضيحة مونيكا لوينسكي التي أطاحت بسيد البيت الأبيض بيل كلينتون بمجرد عزمه على استكمال مسيرة سلفه جيمي كارتر.
ولم تغفل نظرية المؤامرة في الولايات المتحدة شأن آخرين من أمثال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أحد أبرز مهندسي اتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل بعد إصداره كتاب "فلسطين .. سلام أم أبرتهايد" فجندت الدعاية الصهيونية للنيل من مصداقيته.
جيمي كارتر كان أول رئيس تقبل إصرار الشعب الفلسطيني على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني خلال لقائنا به في دير الطنطور الكائن على طريق القدس – بيت لحم عام 1996.
جيمي كارتر الذي نال جائزة نوبل للسلام وشارك في الرقابة على ستين عملية انتخابات في العالم لخدمة أهدافه مركزه الرامية لتعزيز الديمقراطية في العالم وها هو يتعرض لحملة غير مسبوقة من اللوبي الصهيوني في أمريكا التي تعصف إدارتها الحالية بالديمقراطية في كل بلد يصبوا إليها.
لم يجد المشاركون في "مدريد + 15" سوى التعبير في لحظات ذكرياتهم عن ما يتعرض له الفلسطينيون من حصار جائر بالانحراف اللفظي الذي يخالف المصطلحات التي استخدمها كارتر في كتابه كما لو كانوا يتباكوات عن واقع الحال والمكان الذي أضحى أطلالاً.
إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة لم تغتال مصطلح السلام فحسب .. بل امتدت ذراعها الطولى لاغتيال قادة سعوا للسلام فغيبوا إما عن الدنيا وإما عن الحياة السياسية.
Jawdat_manna@yahoo.co.uk