هو جريمةٌ نكراء لا داع لوصفها لأن عدمَ معرفةِ وصفها هو بحد ذاتهِ جريمة. لكن شتم بلدَكَ لا يكون بالضرورةِ باستخدام الكلمات. الشتمُ بمعنى استصغار المقابل وإهانته قد يحدثُ من دون كلماتٍ وعبارات. ساقني لهذا ما تواردته الاخبار اليوم عن الغش في امتحانات التوجيهي. أليسَ هذا شتماً بحق العلم والمستقبل والضمير؟ ومن ينجح بالغش ثم يغش في مهنته أليس شتَّاماً لوطنهِ. ومن يرشي ويرتشي ويختلس ويطفف في الميزان. شتامٌ. ومن يُقْسِمُ بأغلظِ الأيْمان كذباً هو شتَّام.
أن تشتمَ وطنك بكلمات يعني أن تُقَلِلَ من شأنهِ وتمحو عنه صفات الإكرام والكرامة. لكن معنى الشتم الأوسع أن تطعنهُ وكل ما يُمَثِلُهُ من إرثٍ وحاضرٍ ومستقبل وذلك عندما تتعمد الخطأ والخطيئة بِحَّقِ الدراسة والعمل والزمالة والجيرة والأخوة. عندما تنشر الفساد الأخلاقي وترضاه لمجتمعك. عندما تؤذي من بالطريق برعونة قيادتك. عندما ترمي قمامتك من نافذة السيارة ولا تأبه لمن واجبه أن يزيلها من ورائك. عندما لا تحترم جارك بالضوضاء والإزعاج. عندما تستسهل ظلمَ عامل فلا تعطيه أجره. عندما تستعجل للصلاة وتقفل الطريق على غيرك. كل سيئٍّ ترتكبهُ بحق الوطن العام وحق المواطن هو شتيمةٌ للوطن.
القانون يحاسبُ الشتَّامَ والمُسيئَ عندما يعلم عنهم لكن القانون لا يعلم الكثير الذي يُرتكبُ في الخفاء ولا موجب له للتدخل إلا إن تمادت الأخطاء والمخطئين. لكن كل خاطئ يعلمُ بقرارةِ نفسهِ شتيمتهُ إن كانت قولاً أو فعلاً والفعلُ هو الأكثر.
تستهجن الأقلام المتعدين بالقول والشتم ومعها كل الحق. الحق مع من يقف بوجه الخطأ الفعلي الذي يرتكبه الكثيرون، وهو بمثابة الشتيمة بل يفوقها بشاعةً. لن نكون أبدا مجتمع ملائكة ولكن لا داعي لنكون مجتمع إبليس. الداعي أن نكون أمينين بكلامنا وأفعالنا ما استطعنا. شِقُ تَمْرة تُجزئُ عن الصدقة. ليست تمرةً كاملة و لا هي رزمة دنانير بل جزءٌ قليلٌ من ثمرةٍ صغيرة فما بالك بشق حسن نية و شق تسامح و شق خير من نفس و يد و فم و عين كل مواطن. شِقُ خيرٍ للوطن، لأنه يستحق الخير.