دون شك كان مشهد وزيري الداخلية والدولة لشؤون الاعلام, وهما يعلنان نتائج لجنة التحقيق الحكومية في حادثة ميناء العقبة, دليلا على سير الحكومة لتفعيل التزاماتها للرأي العام وحقه في معرفة الحقيقة, وبالطبع كان نفس المشهد محبطا لمن راهن على السلوك العام للحكومات المتعاقبة التي نجحت في تغذية تراجع الثقة بعدم اعلان نتائج أي لجنة تحقيق رسمية, وستسعى هذه الفئة الخاسرة لرهانها لتشويش الرأي العام وتقليل مساحة ايجابية الخطوة, وثمة من بدا فعلا بذلك, فاللجنة ليست معنية ولا من مهامها إيقاع العقوبات على المقصرين فهذا شأن القضاء, ونحن بانتظار نتائج تحقيق النيابة العامة, وتحويل الملف الى القضاء العادل لمحاسبة المقصرين, وتكريس مفهوم المحاسبة والمساءلة, بعد ان غاب هذا المفهوم عن اداراتنا التنفيذية لفترة طويلة, حتى استمرأ الموظف العام وعلى كافة المستويات الوظيفية, سلوك الإهمال والتقاعس والكسل.
ما يرفع منسوب التفاؤل في إعمال منهج المحاسبة والمساءلة, ان هذه هي الخطوة الثانية بعد حادثة السلط الأليمة أيضا, والنهج مثل اللحن, يحتاج الى نقلتين متتاليتين, حتى يستقر, ونجحت حكومة الدكتور بشر الخصاونة في انشاء لحن للمحاسبة والمساءلة, ولن تستطيع أي جهة حكومية بعد الان تجاوز حق الجمهور في المعرفة, وتجاوز حق المتضررين في التعويض ومحاسبة المقصرين, وتلك خطوة يجب البناء عليها ودعمها, حتى لو كان الرأي بأن هذا حق لصيق للجمهور, وواجب على الحكومة ومؤسساتها التنفيذية, فالواجب غاب لفترة ليست قصيرة, واعادته الى الحياة يستحق كلمة طيبة من الرأي العام ومن صنّاعه, فالكلمة الطيبة ترفع من المعنوية, ولا شيء يغري بالنجاح اكثر من النجاح نفسه, ودون وجل او ريبة او تخوف من انصار السواد, نقول للحكومة ورئيسها, هذه خطوة تحسب لكم, وننتظر المزيد من المكاشفة في ملفات كثيرة.
اللجنة الحكومية قدمت تقريرها, الذي حدد المسؤولية, وهذا ليس كل القضية, فالتحقيق القضائي, قد يكون له رأي أوسع واشمل في تحديد مسؤوليات جديدة, بإضافة مدانين او تبرئة اخرين, وهذا مسار لا علاقة للحكومة به, فتحقيقها يمكن اضافته الى ملف القضية لكنه ليس كل القضية, وعلى الرؤوس الحامية ان تنتظر النيابة العامة وتحقيقها, ونرجو من القضاء ان يبقى ملف القضية مفتوحا وان تبقى المحاكمة مفتوحة حتى صدور الاحكام, اسوة بكل قضايا الرأي العام التي تابعها الأردنيون في دول متقدمة, ونحن لا نقل عنهم لا في نظامنا القضائي ولا في الإرادة العامة بمحاسبة المقصر, وكلنا ثقة بجهازنا القضائي.
بقيت ملاحظة واحدة نضعها على طاولة رئيس الحكومة, الدكتور بشر الخصاونة, وهي ضرورة تفعيل المسؤولية الأخلاقية, وهي قيمة يجب ان تتكرس في عقلنا الوظيفي, فالمسؤولية الأخلاقية, سلاح يجب تفعيله, فالمسؤولية القانونية شيء والمسؤولية الأخلاقية سلوك آخر, ما زال غائبا, ولأننا اليوم على أبواب مراجعة للإدارة العامة وتطوير القطاع العام, فإن تفعيل المسؤولية الأخلاقية وميثاق الشرف الوظيفي, ضرورة وطنية لترسيخ مفهوم المسؤولية بكل تفاصيلها, وهي رادع مهم, في حالات قد لا يسعفنا القانون في معاقبة المقصر, فليس كل تجاوز مجرّم في القانون, ومن هنا تأتي أهمية المسؤولية الأخلاقية وضرورة تعظيم قيمتها.
(الراي)