مُطَارَحَة الورود في ستراسبورغ ..
د. نضال القطامين
04-07-2022 06:55 PM
وفق المصالح وميادين الأزمات، وحسبما تقتضي منازل الألغام، تتلوّن خرائط العالم كل يوم.
بات الأمر أشبه بنوادٍ لها عضوية وشروط عضوية واشتراكات يومية وحصص مساهمة من فتائل المعارك وصواعق التفجيرات.
أما الرؤية والرسالة والاستراتيجيات، فتقوم على من يعيث فسادا أكثر من غيره، في تلك المساحات التي أضحى الناس فيها يمشون على رؤوسهم.
وفق المصالح، تتبدل الرؤى ويعاد النظر في الركائز، حيث تغدو المبادىء في مهب ريح الطائرات والمدافع والبنادق.
العالم يتغيّر كل يوم، حيث تنشأ تحالفات، وحيث يمسك الأقوياء برأس الأزمات نحو الأودية المرادة.
أكتب لكم من فرنسا، في زيارة عمل ضمن وفد برلماني للإتحاد الأوروبي، هنا حيث تصبح عاملة نظافة نائبا في الجمعية الوطنية، وحيث يقع ماكرون في مأزق الحكم دون أغلبية برلمانية، وحيث ما تزال السهول تزرع بالورود والأزهار، والمصانع بآلات الدمار والقتل والتشريد !
في ظلال الأشجار في ستراسبورغ، ثمة طيف لجميلة بوحيرد، وعبد القادر الجزائري، وأدهم خنجر، وعبد الكريم الخطابي، وغيرهم من قادة مقاومة الإستعمار، هناك أسمع همسهم وهم يتحاورون بسخرية حيال اقتتال أهلهم على دساتير جديدة سلطوية في البلاد التي ضيعتها الحروب، وبات الناس يطاردون الأرغفة في سهول الجوع وتلال التعب، ويذكروا بالأسى قوت الناس وقد تناسلوا كثيرا في انتظار شحّ قادم مهلك، وأسمع أنّاتهم وصرخاتهم، أن الاستعمار لم ينتهي بعد وإن كان بأشكال مختلفة، وأنه ثمة حاجة ملحّة لإعادة تشكيل مقاومته، بالأحلاف وبغيرها، ويستحضرون من رباعيات الياس فرحات، وهم يرون العالم يرسل لنا كل يوم حاويات معبأة بأجهزة اللهو:
إن ابنَ آدمَ لا يعطيك نعجتَهُ.. إلا ليَسلُبَ منك الثور والجملا
لو يعلمُ الكبشُ أن القائمين على.. تسمينه يضمرون الذبحَ ما أَكلا..
سأترك ظلال الشجر في امتداد فرنسا قريبا، قافلاً للأردن، وطن المهجّرين منذ التاريخ، بلد اللجوء منذ أن وَجدَ عيسى عليه السلام في ضفة النهر ملاذا من الإضطهاد، ومنذ أن لجأ موسى عليه السلام وأطل من نيبو على أرض الميعاد، ومذ وجدت قبائل فلسطين والحجاز موئلا في المملكة، التي من حقها أن تكون وعاء القومية والإنسانية، ومستقر الحضارات ومبتدأها ومنتهاها، بلد الانبياء والصحابة وقادة الفتح، وأتساءل مع أهله، أهلي، عمّا هو ضروري كي تمضي بمشروعها العروبي القومي، وعن تحدياتها في إصلاح السياسة والإقتصاد، وعن تكريس حقيقي لمفاهيم الولاء والإنتماء، وعن جهد وطني لكل الناس مؤسس على النزاهة والمكاشفة والعدالة، يساند جهد جلالة الملك وولي عهده في الحفاظ على سلة البيض المضطربة سليمة دون كسر….