هناك مثل صيني يقول: إن أردتم سنة من الازدهار فاعتنوا بالبذور؛ وإن أردتم عشر سنوات من الازدهار، فاعتنوا بالأشجار؛ وإن أردتم مئة سنة من الازدهار، فاعتنوا بالبشر, ومن هنا تبرز الأهمية لرأس المال الفكري في كونه يركز على الطاقات والقدرات الابتكارية والإبداعية, كما ويركز على كيفية استثمارها والمحافظة عليها بوصفها أغلى الموارد.
وفي ظل التطورات والبعد عن الثبات والاستقرار كانت الحاجة إلى التغيير والتطوير, فالمؤسسات التعليمية كغيرها من المؤسسات تمتلك الموارد بنوعيها المادية والبشرية, ولكنها تختلف في درجة امتلاكها للمزايا التنافسية والتي تتمثل برأس المال الفكري, إذ تعاني العديد من المؤسسات التعليمية من تجاهل قياداتها لأهمية موجوداتها الفكرية, وتركز كل اهتمامها حول طرق تطبيقها للأنظمة والتعليمات الخاصة بموجوداتها المادية, وبما أن المؤسسات التعليمية هي إحدى أهم المصادر لنقل المعرفة العلمية والتقنية في المجتمع, فإن رأس مالها الفكري هو المفتاح الأساسي للبناء والتطوير, فهو العامل الأساسي الذي سيساعدها على توليد المعارف الجديدة والتي تضمن لها خلق قيمة مضافة وتضمن تحقيق ميزتها التنافسية.
وبناء على ذلك فلا بد من زيادة الاهتمام باستقطاب الأفراد الموهوبين المبدعين, والسماح لذوي الخبرات من التعبير عن أفكارهم وتوفير متسع لهم لتجربتها في ضوء خطة إستراتيجية وجدوى اقتصادية مدروسة، وهذا الأمر يتطلب من الدولة أيضا الاهتمام بالتعليم بشكل أكبر, إذ يعد التعليم العنصر الأساسي في خلق رأس المال الفكري, فكلما أزداد الاهتمام بالجانب التعليمي من خلال زيادة الإنفاق عليه وتوفير كل متطلبات التعليم من مدارس ومناهج وكوادر ذات كفاءة، كلما أسهم ذلك في الارتقاء بمنتجات القوى البشرية فكريًا, وبالتالي زيادة قوة الدولة التي تمتلكها.
وكما يقول الأستاذ الدكتور إخليف الطراونة "نحن لسنا بحاجة إلى أفراد يحملون شهادات ورقية, وإنما تكمن حاجتنا لخريجين يحملون مشروعا يسهم في العملية التنموية", فأعداد الخريجين الذين يحملون شهادات في تزايد بسبب النمط التقليدي للتعليم, وأسواق العمل لا تحتويهم, فأين منا من الدول المتقدمة كالنرويج وسويسرا وسنغافورة والتي كان أساسها الاعتماد على التعليم للنهضة الاقتصادية والارتقاء بمستواه تحت شعار(مدرسة تفكر, وطن يتعلم).
فنحن بحاجة إلى تكاثف الجهود لاستغلال العقول النيرة، واستقطابها، والعمل على تدريبها وتطويرها، فالنظرة إلى إعداد وتأهيل الموارد البشرية في ضوء مفهوم رأس المال الفكري يجب الاهتمام بجدية أكثر به، وبكيفية التعامل معه باعتباره من أهم مصادر الاستثمار التي يمكن استكشافها ورصد مقوماتها واستغلالها وتصديرها، فالارتقاء بالثروة البشرية لا يتحقق إلا بتعليم تتوفر فيه شروط الجودة الشاملة في جميع جوانبه ومراحله ومستوياته، وذلك عبر استحداث المنظومة التي توفر ذلك من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى التعليم الجامعي والعالي.