كيف سيكون الأردن الجديد في المئوية الثانية؟ هذا السؤال، بالطبع، ليس موجها للحكومات التي تعمل “بالمياومة”، وليس الهدف منه الضرب “بالمندل”، أو الرد على الإشاعات التي تتردد حول الأردن القادم، الكبير او السمين.
المقصود أن نفكر جميعا، الدولة والمجتمع، بالإجابة عنه، والأفضل أن تتفرغ مراكز الدراسات التي ترعاها الدولة، لتنظيم ندوات مغلقة، يشارك فيها خبراء بكافة المجالات، ثم تضع أمام صانعي القرار ومتخذيه توصياتها، هذا إذا كنا نريد أن نتقدم للأمام.
أدرك، تماما، أن البعض يرسم صورة معتمة لبلدنا، وهي، ربما، إفراز لواقع ملتبس وصعب، داخليا وخارجيا، وإحساس عميق بالخيبات واليأس، والاحتقانات التي تراكمت على مدى السنوات الماضية.
أدرك، أيضا، أن لغز “القادم أجمل”، ومقولات الأردن الجديد، ووعود المسؤولين المتكررة باقتراب انفجار الموارد الطبيعية، النفط والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها، ستبقى مجرد آمال، لكنها لن تجد آذانا صاغية لتصديقها، أو أخذها على محمل الجد، الا إذا تحولت إلى وقائع ملموسة.
ما أريده، هنا، يتجاوز ذلك، فأنا أقرع الجرس لعلنا نفكر، ولو لمرة واحدة، بمستقبل بلدنا، أليس من واجبنا، ومن حقنا أيضا، أن نعرف بأي اتجاه نسير، وعلى أي طريق نمشي، ثم أن نطمئن لمستقبل أبنائنا الذين هم أمانة في أعناقنا، خاصة ونحن نعيش في منطقة حفرة “الانهدام” التي أصبحت اسما على مسمى، ونرى كل يوم ما يحدث من براكين وزلازل، لم تبق حجرا على حجر.
يمكن أن نفكر، أولا، كيف ستكون صورة الأردن، من حيث عدد السكان، وتنوعهم السياسي والاجتماعي والديني، وتضاريس الديمغرافيا والجغرافيا، وانعكاس ذلك على التوزيع الطبقي، تبعا لمستويات الفقر والثراء، ثم الحالة الصحية والنفسية، والميولات والاتجاهات الفكرية والسياسية، وانماط التدين، وتركيبة السكان من حيث اعداد اللاجئين القدامى والجدد، وربما القادمون ومصيرهم، وما يطرأ من مصايد سياسية تتعلق بالهوية وغير ذلك.
يمكن أن نفكر، أيضا، بملفين مهمين، أحدهما يتعلق بالتهديد الخارجي، إسرائيل هنا رقم ( واحد)، ثم ما يحدث بالإقليم من تحالفات واضطرابات، ومشروعات متصارعة، ثم شبكة علاقاتنا مع المحيط العربي.
حالة الخارج تستدعي تحديد أولوياتنا ومصالحنا، والعوامل المتعلقة بأمننا الوطني، كما تستدعي تنويع خياراتنا، وعدم وضع “أقدامنا” في مربع واحد، أو ربط ضرورات حياتنا بمصدر احتكار يصادر القرار السياسي والاقتصادي، أقصد أن ملف الخارج، بما فيه من تهديدات وفرص، يمثل أولوية وجودية للدولة.
اما الملف الآخر فيتعلق بالداخل، لدينا ثلاثة مشروعات، التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، يفترض أن تشكل روافع حقيقية للإصلاح، لدينا ملفات تشكل عصب الاستقرار، وهي الطاقة والمياه والغذاء، وتصب في عنوان “الاعتماد على الذات”، واستقلال القرار الوطني.
لدينا قطاعات تراجعت كالتعليم والصحة والنقل ومرافق العدالة، ثم لدينا حالة من اليأس والإحباط وعدم الثقة، حولت الأردنيين إلى طاقات مهدورة، كل ذلك يجب أن نفكر فيه، وأن توافق على إيجاد ما يلزمه من حلول وصفات.
سنفاجأ، إذا ما قدّر لنا أن نضع على طاولة البحث كل ما لدينا من معطيات ومعلومات، وما بداخلنا من هواجس ومخاوف، حول واقع الأردن، وما يمكن ان يطرأ في السنوات القادمة من متغيرات، ربما سنكون امام حقا ” أردن جديد” لا نعرفه، ولا نستطيع الآن أن نتوقع ملامح صورته.
لكن لا أدري إذا كان غيرنا سبقنا إلى رؤيته في المرآة، خاصة ونحن في عصر “الفرجة”، حيث تسبق الصورة الواقع.. ويتسابق “الرسامون” الجدد الى ترتيب الخرائط، ورسم الحدود، وتحديد الهويات أيضا.
الغد