اقترب أردوغان من إسرائيل مجددا، أو لم يقترب، يغفر له الأردنيون ذنوبه، هذه هي الحقيقة السياسية التي يتوجب تحليلها، فالرجل موثوق ويجد الكل له تبريرا حول ما ينفذه من سياسات.
الطبقة التي تعادي أردوغان في العالم العربي، والأردن، شمتت بما اعتبرته خضوعاً تركياً جديداً من أردوغان على عتبات إسرائيل، بعد تصعيد متواصل وكتبوا قائلين هذا هو صديقكم أردوغان الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية والقدس وغزة، ويرفع الشعارات، عاد للتنسيق مع إسرائيل، ويستقبل مسؤولين إسرائيليين، وغير ذلك، وهذا يثبت أن الرجل غير صادق وأنكم أكلتم مقلباً.
لكن الشعوب هنا، وفي الأردن مثلا، ما تزال تحب الرجل، ولأنها تحبه تجد له المبرر، الذي لا تمنحه لغيره بالمقابل، فيرد الذين يحبونه أن أردوغان تحت ضغوط هائلة، وأنه يريد تخفيف المؤامرات، وأنه يلاعب الإسرائيليين، وأنه يمر بفترة تكتيك فقط، والخلاصة أنهم لا يتهمونه في دوافعه أبداً، بل ويتحدون أكثر ويواصلون تأييده بطريقة تستحق التحليل كما أشرت.
هي ذات الشعوب العربية التي لا تقبل لأحد أن يقترب من إسرائيل، وتدين من يقترب منها بشدة، لكنها في حالة أردوغان تبقى منجذبة له، وتمنحه الفرص والتبريرات والأعذار وصكوك التسامح.
الانجذاب إلى تركيا، ما يزال في أعلى درجاته، وهو انجذاب تشكل في عهد أردوغان، والعشر سنين الأخيرة، وما يزال كثيرون من الأردنيين والعرب يذهبون إلى تركيا للسياحة، أو الاستثمار، أو لشراء شقة، برغم الظروف السياسية المتقلبة، أو المخاوف على الوضع الاقتصادي التركي، وحال التضخم والليرة التركية، وتسأل هل هذا حنين إلى إسطنبول العثمانية بمعنى الخلافة، أو حنين إلى تجربة حكم استمرت 500 سنة في المنطقة، أم أنها من باب التحدي والمناددة لمن يحاولون إسقاط تركيا، اقتصاديا، أو أنها متعة المكان الجميل الذي يجمع الشرق والغرب في موقع واحد، وبكلف تعد غير مرتفعة مقارنة بالدخل المالي لمن يسافرون إلى تركيا هذه الأيام؟؟
تتجذر عربيا ظاهرة حب الرموز العابرة للقارات، وبرغم النقد الهائل الذي يوجه إلى هذه الرموز، خصوصا، من شعوب تلك الرموز، إلا أن ظاهرة مناصرة حكام آخرين، في دول ثانية، رفعوا شعارا دينيا أو قوميا، ظاهرة تستحق التحليل أيضا، وبعضهم كانوا من الظلمة، لكنهم يجدون من يؤيدونهم، ويعجبون أحيانا بقتلة أو برموز مستبدة، أو بمسؤولين تسببوا بكوارث في الإقليم، وأنا لا أقصد هنا اسماً محدداً، لكنني أتحدث عن الظاهرة التي تشيع بيننا.
في كل الأحوال بدأ موسم الحنين مبكرا هذا الصيف إلى إسطنبول، فحجوزات العيد من داخل الأردن إلى تركيا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، برغم ارتفاع أسعار التذاكر والفنادق، بل إن بعض الأردنيين المغتربين قرر أن يأتي إلى الأردن ليوم أو أسبوع، ثم يذهب أسبوعا أو أسبوعين ويعود إلى الأردن، وبعضنا سوف يسافر في إجازة العيد إلى تركيا بالتقسيط، أيها السادة، وآخرون فروا مبكرا إلى إسطنبول وآلانيا ومرمريس وأنطاليا وغيرها من مناطق، قبل العيد بأيام طويلة.
العلاقة مع تركيا مختلطة هنا، فأنت لا تجد من يدين السياسة في تركيا، إلا إذا كان من جماعة إيران، أو بشار الأسد، أو ممن يعادون الإسلام السياسي، فيما الغالبية تنجذب لتركيا، حتى لو صافحت إسرائيل مجددا، فتذهب سياحة واستثمارا، ولا تأبه بكل أصوات الفريق الشامت بتغير سياسات أردوغان التي خفضت العداء لإسرائيل، ولعل العقدة الأكبر قدرة من يحبون أردوغان على التبرير له، في كل تحولاته، وهي مساحات تسامح لا يمنحونها لآخرين، بل يخصون بها الرجل.
نحن أمة تحب وتكره، فإذا أحبت شخصا غفرت ذنوبه، وإذا كرهت شخصا نسيت فضائله، هذه هي الخلاصة، بعيدا عن نظريات التحليل السياسي، وعلم الاجتماع، وعلوم الاقتصاد.
الغد