على أبواب صياغة مفردة تاريخية
د. حازم قشوع
02-07-2022 09:43 AM
حتى يتم فهم تسارع التحرك العسكري في اوروبا وتنامي الحركة السياسية في الشرق الاوسط فإن على المتتبع المهتم العودة الى الوراء الى حيث معاهدة سيفر وملحقاتها في لوزان ومردفها في فرساي التي تم بموجبها حصر حدود القوة العسكرية الأمانية في الحدود الدنيا وتحديد التحرك العسكري التركي فى الاطر الدفاعية الضيقة لا سيما وان من على ارضية هذه الاتفاقيات حددت معالم الجغرافيا السياسية في الشرق الاوسط وبينت شكل انظمتها الحاكمة .
وان كانت هذة المعلومات متداولة إلا أن ملابسات الظروف الزمانية تستحق التوقف والتنبه لكل مفصل من مفاصلها، فإن قراءة التاريخ تفيد في فهم الحاضر وهي الصورة التى سيبني عليها تصور المستقبل القادم والعبارة التي تشكل جملة البداية وعنوان الرواية التي يقف عليها المعطي السياسي السائد .
ففي بداية العام القادم سينتهي العمل باتفاقية سيفر وتوابعها، وهذا ما يعني ان هنالك الكثير من الدول ستنهي حالة التبعية الامنية للولايات المتحدة وعلى رأس ذلك تأتي المانيا وتركيا وهو ما يجيب على سؤال طالما تحدث عنه الكثير من المتابعين كانت عناوينه تقول لما كل هذا التدخل الامريكي والمكلف في أوكرانيا واوروبا ؟، وما الذي سيحدث في تركيا العام القادم ؟، وهي تستعد لانتخابات تاريخية مفصلية، وما مدى انعكاس النتائج المتوقعة من وقع هذا التغير على ميزان الاحداث في المنطقة وهي اسئلة مشروعة من المهم الاجابة عليها لفهم مآلات الاحداث وعناوين صورة المشهد الكلية .
الولايات المتحدة تدرك أن عناوين الخطورة تكمن في مسألة ألمانيا وباب القلق يأتي من البوابة التركية، فالألمان قادرين على صناعة جيش قوي خلال فترة وجيزة كما هم قادرين على صناعة ترسانة نووية واخرى تكنولوجية رائدة عسكريا اذا ما إنصبت جهود ألمانيا لبناء القدرات العسكرية وانتقلت عملية التصنيع الالمانية من الحالة المدنية التجارية التي تقوم عليها المانيا بعلاماتها الفارقة في بافاريا الى مكان اخر ربما للصناعات العسكرية ستكون في دوسلدورف وهانوفر، وهذا ان حدث فانه سينضم اليه الجانب الفرنسي وبقية ارجاء اوروبا وهو ما يشكل خطر وجود على الولايات المتحدة ويهدد مركزها ومكانتها، ما قد يجيب على سؤال مهم، لماذا التدخل الامريكي في أوكرانيا ، ولماذا استعاد الناتو بريقه بعد ما كان قد فقده منذ أمد بعيد ؟، الى الحد الذي جعل الرئيس ماكرون والمستشاره ميركل يفكران قبل عدة اعوام في بناء جيش اوروبي لكن الادارة الامريكية الجديدة تنبهت الى ذلك فعمدت لرفع شعار العودةلقيادة العالم من جديد لكن هذه المرة ستكون عبر اوروبا وليس عبر الصين او روسيا وهي النقطة التي سجلت للادارة الديمقراطية في حواضن صناعة القرار الامريكية .
بعدما استطاعت هذه الادارة الامريكية السيطرة على اوروبا عبر الناتو وحصر جيوب روسيا في حرب اوكرانيا المكلفة، لكن مسألة الدخول اليها كان واجب تمليه المصلحة الوطنية العليا لامريكا وان كانت تبعاتها ستأثر على شعبية جوبايدن وفريقه إلا انها كانت الخطوة التي ينبغي اتخاذها والتي تم احتسابها لصالح الادارة الامريكية على غير ما كان متوقع، حيث رفعت شعبيتها التصويتية على الرغم من مناخات غلاء الاسعار السائدة .
وأما الباب الاخر فهو باب الشرق الاوسط الذي تشكل مركز قوته تركيا وليس ايران او اسرائيل كما يحلو للكثير من المتابعين الوصف هذا لان تركيا هي الدولة القادرة على تحقيق حالة نهوض فارقة في زمن قياسي قصير فهي الحليفة الاستراتيجية لالمانيا منذ الحرب العالمية الاولى وهذا ما يجعلها تمتلك عمق استراتيجي مؤثر كما أنها قادرة على ان تعيد نتاج ذاتية وجودها خلال مدة قصيرة كونها تمتلك ذاتية حركة غير عادية ومخزون استراتيجي هائل من الثروات والموارد البشرية المدربة .
إضافة لمكان جغرافي استراتيجي وعامل اساس آخر يشكله ارثها الضارب في التاريخ من واقع سيادتها على الشرق الاوسط وشرق اوروبا لقرون عديدة، الامر الذي يجعلها تكون مؤثرة الى حد كبير في حال تم انتهاء من بنود اتفاقية سيفر التي حددت دور تركيا ووظيفتها لكن العام القادم سيجعلها محررة من كل القيود التاريخية .
من هذه المعطيات تسعى الادارة الامريكية للسيطرة وفرض ميزان ضوابط جديدة في اوروبا، كما تسعى لتشكيل بدائل اقليمية قوية بالمحتوى والمضمون في الشرق الاوسط يكون ثلاثي الابعاد مركزه القاهرة حيث الثقل المصري ومؤيد من الرياض بكل ثقل مالي وعمق لوجستي، واما حواضنه السياسية ففي عمان حيث عنوان التاريخ الهاشمي ومكان المطبخ السياسي وهو المثلث الذي سيكون قادر على ان يلعب الدور البناء في تدعيم المكانة الجيوسياسية للمنطقة ورسم ميزان الاحداث، وهذا ما سيجعل من مصر تشكل عامود الارتكاز في بناء مفردة جديدة بحيث تكون قادرة كما ينتظر على مناوئة تركيا في مكانتها وهو ما تقوم الولايات المتحدة على ترسيمه قبل نهاية هذا العام، وهذا ما بين جلالة الملك معالمه قبل سفره الى صن فالي عندما افصح عن مسألة تشكيل الناتو الجديد في المنطقة .
يأتي ذلك في سياق متصل مع قرار الكونغرس الامريكي الذي قد اتخذ قرار بشقيه الديمقراطي والجمهوري ألزم بموجبه البيت الابيض بضرورة ربط شبكة الانذار المبكر المشتركة في منطقة شرق المتوسط خلال مدة لا تتجاوز 80 يوم، وهو ما يعتبر بداية صياغة عسكرية لمفردة امنية موحدة ، اضافة الى تسارع الخطوات الانتخابية لايجاد ارضية برلمانية دستورية تتوائم مع اهمية تعزيز قدرة الانظمة على اتخاذ قرارات مفصلية ينتظر ان تغلق باب وتفتح باب آخر يحمل مفردات جديدة وهو ما يعول للانتهاء منه قبل موعد اجراء الانتخابات التركية العام القادم .
حالة الاوضاع هذه جعلت المحللين يتسابقون لبناء استخلاصات ذات عناوين محددة تقود بيت القرار لبناء تصورات تستخلص منها كيفية التعاطي مع المشهد القادم وعنوانه السياسي ما تم استخلاصه عبر ما يلي:
اولا، ينتظر ان تكون مصر مركز جيوسياسي للمنطقة بعمق واسناد سعودي خليجي وبدعم وتأييد سياسي اردني .
ثانيا، سيتم تمكين الجواز السفر الفلسطيني والارتقاء بمستويات التمثيل الدبلوماسي وبشكل الدولة دون الوقوف عند المحددات الجغرافية .
ثالثا، سيتم رفع القيود التي تحول دون استخراج الاردن لثرواته الطبيعية بشكل نسبي محدود وهو ما سيشكل رافعة اقتصادية متعددة الجوانب .
رابعا، سيتم تشكيل اطار ناظم مشترك للقوات الدفاعية والاجهزة الامنية في مركزها الرئيس الاردن .
خامسا، سيتم السماح بالتنقل والانتقال وحرية الاستثمار بين المجتمعات الاقليمية من خلال تخفيف قيود الحركة بين ارجاءها .
سادسا، سيتم انشاء منطقة مركزية اقليمية في رأس البحر الاحمر ضمن محددات مشتركة وعناوين للتجارة الحرة ومكان ملائم لتوطين الاستثمار وضمن منطقة اقليمية مشتركة .
سابعا، سيتم العمل لانشاء خطوط سكك للقطارات التجارية والقطارات الخفيفة لتغذية مسألة النقل والتنقل بين المراكز السياحية .
ثامنا، سيتم اقامة علاقات طبيعية بين اقطار المنطقة ضمن اطار القيادة المركزية .
تاسعا، سيتم توسيع مشاركة الجميع في بيت القرار بما في ذلك الاقليات والحركات الاسلامية كونها باتت مطلب تفرضه مقتضيات المشهد كما تشكله عوامل الاستقرار في مصر والسودان وفلسطين والاردن وتونس وليبيا.
عاشرا، العمل على استقطاب حواضن جغرافية منخرطة في المنظومة الجديدة من العراق وسوريا، اضافه الى لبنان في اطار الناظم العام .
فإن صحت هذه الاستخلاصات التي ذكرت فإن المشهد القادم سيبدأ في بلورة محدداته وسيتبعه الاعلان عن ترسيم اتفاقات بعد الانتخابات التركية، وأما الحديث حول هذه القضايا ستتناوله لقاءات صن فالي التي يشارك فيه جلالة الملك وستعنونه زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة مع اقتراب الانتخابات النصفية للولايات المتحدة التي بدأت تشير الى صعود نجم الحزب الديمقراطي بعد ما تم تصفية ترامب سياسيا في اطار المحاكمة البرلمانية التي خلخلت توازنه وافقدته حواضنه الشعبية، وهذا ما سيعجل الادارة الامريكية تعيد بسط قيادتها على العالم من جديد وتجعل من المنطقة على ابواب صياغة مفردة تاريخية .