سرطان الأزمات .. أم صداع الإصلاح!
د. محمد أبو رمان
13-09-2010 04:12 AM
أدى تفكيك الحكومة لأزمة المعلّمين، وقبلها الإعلام الالكتروني، ومن ثَمّ الرسائل الإيجابية العديدة تجاه الانفتاح السياسي إلى إحداث انفراجٍ في أجواء الاحتقان والقلق، التي سادت خلال الشهور الماضية ورفعت سقف المعارضة والانتقادات الحادة إلى حافة تصعيد أكبر.
بعد غدٍ الأربعاء سيكون رئيس الوزراء في مجمع النقابات المهنية للقاء النقباء، وهي خطوة جديدة باتجاه الانفتاح والحوار مع القوى والمؤسسات السياسية والاجتماعية الرئيسة، بعد أنّ كانت النقابات قد أصدرت بياناً سياسياً شرساً مؤخّراً تعليقاً على الأجواء المشحونة السابقة.
ما نأمله ألا يضيع الاجتماع في مطالب فرعية وأحاديث متشعبة، بل أن يتم تنظيم الحوار والتركيز فيه، سياسياً، على المخرجات المتوقعة منه، وتحديداً في الخطوات المقبلة نحو تحسين المناخ السياسي، ولعلّ ذلك فرصة لتبادر النقابات إلى دعوة الحكومة إلى حوار الإسلاميين وحزب الوحدة الشعبية اللذين أعلنا مقاطعة الانتخابات النيابية.
بلا شك فإنّ الوقت يمرّ سريعاً ما يجعل من عودة الإخوان عن قرار المقاطعة أكثر تعقيداً وصعوبة، بخاصة أنّ مثل هذا القرار يتطلب مبررات سياسية وتنظيمية ثقيلة الوزن، لكن الأمر لم ينته بعد، إذ إنّ الرسائل الودّية لا تحتاج إلى "من يفكّ الخط" من مؤسسات الدولة باتجاه الجماعة، ما يعني أنّنا أمام إدراك مغاير مهم بدأ ينمو في مطبخ القرار لدور الجماعة وحضورها، وهو بحد ذاته تطورٌ جيّد، بعد أن سادت خلال السنوات الماضية سياسات سلبية وخطاب مشكّك بالإسلاميين.
الإسلاميون، من جهتهم، يلمسون ذلك، فقد أعلنوا قرار المقاطعة في أجواء الشحن والتوتر السياسي، وفي سياق مسار مأزوم من العلاقة مع الدولة، وأحسب أنّ خطوة نوعية أخرى من الرئيس (لو تتم قريباً جداً) بلقاء عدد من قيادات الجماعة وحزب الوحدة الشعبية ستتكفّل بقطع مسافة كبيرة لعودتهم ومفتاحاً ذهبياً نحو الانتخابات المقبلة.
أحد قادة الجماعة المؤثرين أكّد لي أنّ الوسيلة الرئيسة للتخاطب بين الحكومة والإسلاميين اليوم هي الإعلام، بينما تغيب قنوات الحوار المباشر، ما يجعل من الرسائل ملتبسة ومتضاربة، بل ربما تؤدي في أحيان، بحسب مصدر مقرّب من الرئيس، إلى رفع سقف توقعات الإسلاميين كثيراً.
الرئيس لن يخسر شيئاً، بل سيكسب كثيراً، إن هو أقدم على لقاء الإسلاميين، وتأكيدهم على عدم التنازل عن مطالبهم لا يعني عدم جدولتها والتدرج فيها، كما أخبرني القيادي الإسلامي، وفي بلادنا تعوّدنا أن الانفتاح والحوار بمثابة الوسيلة الأهم في ترطيب الأجواء واستعادة الثقة.
حتى لا نبالغ نحن في رفع سقف التوقعات! فإنّ ذلك كله لا يعدو العودة إلى المربع الأول أي "تفكيك الأزمات"، التي كادت أن تنهش المعادلة السياسية بأسرها، وإذا لم يتمّ القيام بخطوات جذرية ونوعية نحو إصلاح سياسي بنيوي، فإن المعادلة الحالية ستنتج لاحقاً أزمات أكثر خطورة.
الانتخابات النيابية (بعد أن أضعنا قانون الانتخاب المطلوب!) فرصة أخرى لبدء مرحلة جديدة، الخشية القريبة هنا أن تنتج لنا برلماناً ضعيفاً، يكرّس خيبة الأمل الشعبية، لذلك تبدو مشاركة المعارضة ووصول شخصيات سياسية لها وزنها إلى قبة البرلمان خطوة أولية في تصحيح المسار السياسي وإعادته إلى الطريق الصحيح.
غياب التخطيط الاستراتيجي والارتباك الواضح في ترسيم المعادلة السياسية أرخى حالة من الغموض والارتباك على أداء الحكومات المتتالية، وقد سلّمنا التيار الرسمي المشكك بجدوى التغيير إلى سرطان الأزمات خشية من صُداع الإصلاح!
m.aburumman@alghad.jo
الغد ..