السفير الاردني السابق تركي حديثة الخريشا .. وداعاً
عبدالله كنعان
30-06-2022 12:13 PM
يعي كل واحد منّا ويؤمن تماماً أن سنة الحياة الأبدية وناموسها الكوني يوجب علينا أن نفقد الكثير ممن نعرفهم أو نتعامل معهم، وتربطنا بهم علاقات وثيقة على مدار سنوات وربما عقود من الزمن، وفي الوقت نفسه وعند قيامنا بمراجعة سريعة لأحداث وقصص ومواقف عديدة، جرت لنا معهم فإننا دون شك نستذكرهم محزونون، تتملكنا مشاعر اعتزاز بمعرفتهم، يخالطها الآن نفسه الحزن العظيم على فقدانهم، غير أن في استعراض شريط علاقتهم بنا تكشف مقدار وحجم العطاء الذي بذلوه في حياتهم خدمة لمجتمعاتهم ووطنهم ليكون العزاء بذكر افعالهم وهمتهم التي لم تنقطع في بث المحبة والاخوة بيننا.
تركي حديثة الخريشا رحمه الله فقيد كبير بحجم الحزن الذي أشعل قلوبنا وأدمى عيوننا، كان أخاً وصديقاً وزميلاً في العمل بمكتب سمو الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، غادرنا رحمه الله إلى الخارجية سفيراً للأردن في الجزائر والإمارات، سيرته الانسانية ومسيرته الدبلوماسية يشييد بها الجميع لاتجد من يذمه لاسمح الله بل يمدحه ويسرد مواقفه العطرة، كان بحق جسراً للخير والمحبة، ودون مبالغة هو كالغيث أبيض القلب والسريرة كريم العطاء أينما حلّ نُفع برأيه ومشورته، كان رحمه الله واحداً من عدد من كرام الناس نلتقيهم كل اسبوع في يوم عطلة على الافطار، وعند النقاش والحوار سرعان ما يتكشف لك أن المرحوم تركي رجل نبيل الطباع، يحترم الرأي والرأي الآخر لا يتزمت ولا يتصلب لموقفه بل تراه مرناً يحتكم للعقل والمنطق والحجة، لايقاطع أحداً اثناء الكلام ينصت للجميع، وإذا أراد مداخلة يشير بإصبعه لأعطيه الكلام، حيث يرتضي الجميع أن أدير الجلسات الودية، يبدي رحمه الله رأيه بكل جرأة وموضوعية واضحة لا يغلفها أي نفاق أو مبالغة، لقد كان الفقيد خفيف الظل حلو المعشر صاحب روح مرحة ومريحة تلقى في نفس كل من تعامل معه الرضا، كنّا نستذكر معا أيام زمان، فلم يكن تركي فقط شقيقا لأخي وصديقي وزميلي وعديلي الذي سبقني للنسب مع ال الشربجي معالي مجحم الخريشا.
رحمك الله يا تركي فقد كنا وما زلنا عائلة واحدة، وسأبقى أخاً وصديقا لاخوانه وأسرته الاعزاء معالي الأخ جمال وعطوفة الأخ حاكم وأخوانه عليهم رحمة الله الشيوخ الكبار علي ونايف ونواف الخريشا، حقاً لا أبالغ عندما اقول انهم شيوخ كبار بقدرهم وسمعتهم، ليس فقط لان والدهم المرحوم الشيخ الجليل الذي عرف عنه حكمته وفطنته ومواقفه الوطنية والقومية المخلصة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بل لأنهم شيوخ باخلاقهم وسلوكياتهم التي أورثها والدهم لهم وهم يورثونها لمن بعدهم من الابناء والأحفاد لتبقى سيرتهم الكريمة ممتدة ، هكذا يغادرنا المرحوم تركي كما قلت دون وداع فكم أصبت بالصدمة عندما علمت أن وضعه الصحي ليس على ما يرام، ليرحل رحمه الله سريعاً ويترك خلفه الوجع والحزن في القلب والذكرى، يشاركني كل الاهل والاقرباء الحزن والمواساة بالفقيد الذي أحببناه ونحن نشارك ونتقبل العزاء مع عائلته الصغيرة والكبيرة ونشعر بالالم مثلهم على فراقه.
لقد أوجعنا رحيلك يا أبا خالد، فإن القلب عليك ليحزن وان العين لتدمع وانا على فراقك أيها العزيز الشهم لمحزونون، لقد غادرتنا يا ابا خالد دون لحظة وداع، وتركت بيننا اسرتك الكريمة من الأبناء والبنات الصالحين بحمد الله، خالد وعبد الاله ولمياء وهيفاء وعلياء ومي حفظهم الله، الذين اعتنت بتربيتهم معك زوجتك الفاضلة عُبيدة معن أبو نوار ليكونوا نموذجاً طيباً اليوم بين الشباب والشابات في مجتمعنا، نعم تركت فراغاً واسعاً لا يملأ أركانه غيرك، اسأل الله العلي القدير لك الجنة ونعيمها الخالد، وأرجو لك الفردوس الأعلى مع الصالحين والاتقياء، واسأل الله العلي القدير أن ينعم على أسرته، وينعم علينا نحن وكل من عرفه بالصبر والسلوان، ولكنها في النهاية إرادة الله ولا راد لإرادته، ولا حول ولا قوة الا بالله، وحسبنا شفاء لما في قلوبنا وصدورنا قوله تعالى:
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
صدق الله العظيم