شدتني شخصية (بدر) التي جسدها الفنان السوري القدير بسام كوسا، ولعب فيها دور معاق مصاب بمرض التوحد في مسلسل وراء الشمس ، الذي عرض بالتلفزيون الأردني أخيرا ، إلى جانب عدد من المحطات الفضائية.
وأتحفنا ذلك الفنان الذي لا يستحق منا، إلا أن نقدره لأدائه المتميز ، وهو يقدم شخصية ، اهتم فيها بأدق التفاصيل ، تحس عندها بأنك أمام شخصية كاملة أتقنت الأعاقة بكل تفاصيلها الصغيرة، ابتداء من شكل الفكين والنظرات والحركات اللاإراديه ، وصولا إلى كيفية اختيار الثياب ولونها ، بطريقة تشعرك كمشاهد أنك أمام شخصية تكاد تكون حقيقية وليست من الخيال.
قدم الفنان بسام كوسا دورا رسمه بدقة متناهية؛ من حيث التحكم بحركة الجسد وأصابع اليدين بطريقة تعتقد بأنها إعاقة حقيقية ، لدرجة أن بعض الزملاء أخذ يعلل هذا الإتقان ، بأنه يعود إلى الإستعانه بمادة خاصة "سبريه " ، تساعده على ضبط حركتها ، وهذا ما نفاه لي خلال لقاء جمعني مع الفنان القدير خلال إفطار رمضاني أقامته الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ، وأكد أنه اعتمد على التدريب والإتقان والإستعانه بوضع فك " ضبه " تجعل منظر فكه أكثر ملاءمة مع ما يعاني منه أصحاب هذه الإعاقه من بروز في عظم الفكيَن .
لست الوحيدة التي جذبتها تلك الشخصية ، بل الكثير من المشاهدين العرب الذين تفاعلوا مع هذا المسلسل خلال شهر رمضان المبارك ، فقد أثرت هذه الشخصية في وجداني ؛ ليس لأنها تتحدث عن فئة عزيزة على قلوبنا تحتاج منا إلى التعامل معها بأعلى درجات التفهم والإنسانية ، إنما للتشابه بين شخصية مريض التوحد وواقع الأمة العربية ، التي تخجل من الحديث عن عيوبها .
وبالنظر الى شخصية المتوحد ، لم نجد فارقا بين المتوحد وبين الإنسان العربي ، الذي يعيش ويردد ويتصرف كالمتوحد تماما ، فهو ببساطته وقدراته المتواضعة لا يتلفظ سوى ببضع كلمات يتفاهم بها مع المجتمع الذي يحيطه، وهذا حال الامة العربية التي تكرر دائما كلمتي " نشجب ونستنكر" في كل الظروف.
ويتشابه المتوحد الذي يرتفع ببصره إلى السماء ، مع المواطن العربي الذي ينتظر هبوط المعجزات لتنقذه من واقعه المرير المحزن .
وما يدعو الى لفت النظر فإن مسببات الاصابة بمرض التوحد نجدها ترتبط ارتباطا كبيرا بعادات العرب الغذائية ، فالغذاء الأساس للأمة العربية ؛ الطحين والبن وحليب الأبقار والماعز والقمح والشعير ، كله يسبب الحساسية لمريض التوحد ، مما يدل على أن حياتنا بكل تفاصيلها مسبب للتوحد المزمن .
والأكثر غرابة أن اكتشاف مرض التوحد وبداية القضية الأولى للأمة العربية "نكبة فلسطين" ، يعودان إلى أكثر من ستين عاما مضت .
إلا أن الشيء الوحيد الذي يختلف فيه مريض التوحد عن الأمة العربية ، أن التوحدي لا يستطيع الجلوس على كرسي لفترة طويلة ، بعكس الأمة العربية التي تحترف الجلوس على الكراسي .
أجد لزاما عليَ وانا استجمع افكاري أن أقول لفنانا القدير، ردا على كلماته القليلة التي رددها بالمسلسل ، بطريقة جعلتنا نحفظها :
"حباب ".. صدقا إن الشعب العربي الذي يرفض الحديث عن مشاكله حباب.
"صَلح" .. هل تستطيع أن تًُصلح ما افسده الدهر؟ فالامة العربية غارقه في سبات عميق .
"تك تك" .. إن توقيت الأمة العربية "مش زابطه يا بدر" .... لا ايقاع له.
أؤيدك في جملتك "هز التوته" .. فالمواطن العربي أصبح لا يلهث سوى للمتعة والاستهلاك والجري وراء ملذاته باشكالها المختلفة .
ولا أتفق معك في قولك " بعرف .. بعرف ".. فأنت لا تعرف بأن الامة العربية "لا تعرف "، و بالأحرى فإن واقعنا العربي لا يعرفه الكثيرون .
وفي الختام .. وحسب ما يقول بدر .. عليكم رحمة السلام وبركاته.
Jaradat63@yahoo.com