لمحة عن أهالي وسط مدينة إربد القديمة
د. حمزة الشيخ حسين
30-06-2022 09:29 AM
الجامع الغربي "المملوكي"، صورة الجامع القديم يشمخ أمامك ويعجبك المكان، ويجذبك صوت المؤذن العذب سعيد الغرام ووقار الإمام نايف ابو الهيجاء ( رحمهما الله).
في جامعنا كانت حلقات الأطفال تلتف حول (شيخ) يدرسهم أحكام التلاوة والتجويد، وآخر يقص قصصاً من القران الكريم، أو أخلاقاً من سنة نبينا محمد "ص".. كانوا يركزون على الأخلاق الحميدة وطاعة الوالدين والإجتهاد بالدراسة، ومن باب الترغيب يذهبون بعد صلاة فجر الجمعة للعب كرة القدم .
المدرسة، كانت مدرسة المثنى بن حارثة الشيباني وأساتذتها الأجلاء أمثال احمد الجمل، وعبدالرؤوف الهياجنة، وما تعلمت من أساتذتي شاهداً على ما سرت عليه فيما بعد في مشوار عمري، وكان تجوالي بين البيت والمدرسة، واللعب في الحارات القديمة بين ظهر التل، والجامع الغربي، وأيام الأعياد والمراجيح المنتشرة هنا وهناك ونكهة العيد التي لن تنسى على مدى الاَيام والسنين.
في تلك الأيام لم يكن في حارتنا ما يدعى اليوم (سوبر ماركت) أو حتى (مني ماركت) كانت البقالات تنتشر هنا، وهناك فكانت بقالات (سالم إرشيدات) و (ابو سلطي) و (ابو عواد) ، أما الهريسة فكان (ابو رسول) هو المتخصص بها ودكانه يجاور دكان (ابو منير عبندة) وإذا ذهبت الى الغرب قليلا واجهتك أفران (طخشون) و (سركيس).
في نهاية السبعينات افتتح (الفرن الفني) والذي كان أدخل مفهوم الأفران الحديثة لأول مرة الى اربد.
الاعراس، في تلك الفترة كانت الأعراس بسيطة وغير مكلفة، ولم نكن نعرف صالات الأفراح او الفنادق، فلقد حضرت أعراس الكثيرين من أقاربي، وكان يجري العرس للرجال في المضافة وللنساء في البيوت، وحين يحين موعد (الصمدة) يقوم الرجال، والشباب بزف العريس من المضافة الى البيت حيث العروس ويدفعوه من الباب للداخل ثم يغادرون، بعض المقتدرين كانوا يولمون بعد أسبوع، وعادة ما تكون الوليمة في المضافة ويجري بعد أكل طعام المنسف عملية (النقوط) مما كان يخفف على العريس تكاليف العرس ويدخل في نفسه السعادة البالغة.
في ثمانينيات القرن الماضي بدأ الناس يجرون أعراسهم في القاعات، ولم يكن في اربد إلا قاعة نادي الحسين، وبعدها بفترة النادي العربي الجديد في شارع ايدون، كانت طبيعة الأعراس مختلطة، ولم يعرف الناس نظام الصالتين إلا في وقت متأخر لذا كان الكثيرين من المحافظين يرفضون إجراء أعراسهم في (النوادي) خشية الإختلاط.
السكان، في حارتنا كنت أشهد تنوعًا إجتماعياً فريدًا فكان السكان ينتمون الى عائلات عديدة وأصول متنوعة، فجيراننا كانوا من عائلات التل ، والدلقموني ، ورشيدات ، وعبندة، وحجازي، وخريس، وشرايري ، وسكران ، والشيخ حسين ، وجيزاوي، وابو عياد، وجمل، وكريزم ، وابو رجيع ، وحتامل ، وابو سالم، وصبح، لا تكاد تميز الواحد منهم عن الآخر، وكأنهم انصهروا في بوتقة واحدة اسمها عائلات وسط اربد القديمة، الكثير من سكان وسط مدينة اربد القديمة الأصليين هُم قلب وروح واحدة .
الأعياد، كانت فرحة للأطفال وسعادة للكبار، كان العيد يبدأ بصوت الشيخ سعيد الغرام وهو يكبر تكبيرات العيد يذهب بعدها الناس للجامع لصلاة العيد التي كان إمامها وخطيبها الشيخ نايف ابو الهيجاء "رحمه الله" وبعد الصلاة يخرج الناس من الجامع متصافحين مباركين لبعضهم بالعيد وينطلقون الى مقبرة اربد القديمة (ظهر التل) يقرأون الفاتحة على أرواح الأموات من الأجداد والآباء والامهات، بعد ذلك يعود الرجال الى المنازل ويتبادلون التهاني بالعيد ويزورون بيوت الأقارب والجيران في الحارات.
كان الاستمتاع بالعيد والذهاب الى المراجيح ذات الأعمدة الخشبية التي كان ينصبها أبناء كريزم وعدد من أبناء آل الشيخ حسين للأطفال، في ساحة الأرض الفارغة في المنطقة شاهداً حياً لوجود العيد في الحارة، وكان هناك الكعك بالعجوة والمعمول بالجوز الذي كانت تصنعه أمي "رحمها الله" لنا ويشوى في فرن طخشون في حارتنا.
أذكر مرة في العيد وقد اشتريت "سندويش شاورما" من عند احمد سوسان أكلت نصفها وخبأت النصف الآخر لتأكله أمي فالعيد لدي أيضاً أن تستلذ أمي بتذوق ما أكلت وهي لا تعلم بذلك .
كان الناس يفرحون بالعيد لكونهم قلباً وروحاً واحدة .