الأردن وحلف الشرق المقترح
د.حسام العتوم
29-06-2022 10:39 AM
يحلو للبعض الذين يتطاولون بصورة غير لائقة وغير شرعية على الخطوط الحمر الأردنية عبر منصات التواصل الاجتماعي الداخلية (الواتساب)، ومن خلال إحدى اللجان الناشطة وغيرها، بخصوص ما له علاقة مباشرة بمشروع التحالف الشرق أوسطي المقترح من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إعادة الحدث لمربعه الأول، لإستيعاب مآربه وأهدافه خاصة الأردنية والعربية منها، وهنا أقول لهم مهلاً، وكلنا أصبحنا نعرف، بأن جلالة الملك عبد الله الثاني صرح لقناة (CNBC) الأمريكية بتاريخ 25 حزيران الجاري 2022 بأنه يساند تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع الدول التي تحمل نفس التفكير، ويرغب جلالته برؤية المزيد من البلدان في المنطقة لكي تنخرط فيه لمواجهة تحديات الحرب الأوكرانية، وإرتفاع أسعار الطاقة، والسلع الأساسية بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو توجه اقتصادي يظهر بأن بلاد العرب لديها النفط لكنها تفتقر للقمح، والبحث جاري لإيجاد حل يرضي الجميع، والتحالف المنشود دفاعي لا هجومي، و يرمي لحماية البلاد العربية من التهديدات الخارجية، ولحفظ الأمن القومي العربي، وتجميع الدول العربية تحت لواء واحد، حسب ماورد في خطاب جلالة الملك.
ومن الطبيعي أن يعمل الأردن ومن خلال موقعه الجيوسياسي المتقدم على حماية حدوده وأمنه و سيادته من أي عدوان خارجي محتمل، وأن يعمل على تحصين قوة نار جيشه، وتعزيز إقتصاده الوطني وتقويته، وكل الاعتزاز هنا وبهذه المناسبة بقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي وبأجهزتنا الأمنية الموقرة، والدستور الأردني في مادته السادسة نص على حق الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الإجتماعي بإعتباره واجبا مقدسا لكل أردني . وجلالة الملك قال في مقابلته " على غرار حلف ( الناتو)"، ولم يدعو لنسخة جديدة منه وسط الشرق الأوسط، وذكر جلالته بأن الأردن كان قريبًا من (الناتو ) لسنين طويلة، ونحن نعرف في المقابل، والكلام هنا لي، بأن العالم في التاريخ المعاصر كان يعيش ثنائية القطبية ( القطب الغربي وقطب الإتحاد السوفيتي)، وبعد إنهيار الإتحاد عام 1991 إنفرد القطب الأوحد بالسيطرة على أركان العالم، وفي ظل الحرب الأوكرانية الدائرة، والتي تسمى في الطرف الروسي بالعملية العسكرية، أعلن رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين إنتهاء أحادية القطب والعولمة، وعبور العالم إلى العالمية وتعدد الأقطاب ،وهو التوجه الذي قادته روسيا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق، ومشروع الحلف الشرق أوسطي الجديد الذي سانده جلالة الملك عبد الله الثاني يدفع بإتجاه تشكيل قطب عسكري وإقتصادي جديد كما أعتقد يشبه حالة من عدم الإنحياز للغرب أو للشرق، لكن الحضور الأمريكي يبقى ماثلاً بطبيعة الحال وقويًا في منطقتنا، وأقصد العسكري، والاقتصادي أيضا، وهذا لا يمنع الانفتاح على كافة دول العالم وفي مقدمتها روسيا الاتحادية والصين والهند والبكستان واليابان.
وكما هو ملاحظ، فإن (إسرائيل) التي إعترفت بها الأمم المتحدة على حدود عام 48، لاتعترف بقوة عبر حكوماتها ومعظم أحزابها بحدود عام 67، وتفضل أن تمر سحابة الزمن من فوق رأسها من دون أن تمطر خيرًا على شعب الجبارين -الفلسطيني المناضل المجاور لها، وقسم منه مشرد خارج حدود وطنه التاريخي فلسطين، لكنها، أي ( إسرائيل ) غيرت مسارها من الإحتلالات (48/ 67)، والحروب الخاسرة المتتابعة (68 73) والتدخل في إجتياح العراق وسقوط بغداد عام 2003، لتنسحب من قطاع غزة الفلسطيني الصامد عام 2005، ومن شبه جزيرة سيناء كاملة عام 1979، وتبقي لغايات التفاوض وعقد مشاريع سلام مع العرب ( الجولان – الهضبة العربية السورية، و مزارع وتلال شبعا اللبنانية) منذ عام 67، وإنسحبت من إقليمي ( الباقورة والغمر ) الأردنيين عام 2019 بجهدٍ مباشر يسجل لجلالة الملك عبد الله الثاني ولمعاهدة السلام لعام 1994، وهي أي ( اسرائيل ) طامحة للإندماج في المشروع المقترح العسكري وبالتأكيد الإقتصادي الشرق أوسطي، ونحن العرب نريد منها أن تنسحب إلى حدود الرابع من حزيران لعام 67 لتقوم الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفقًا للشرعية الدولية، ولأن تجمد مستوطناتها اليهودية غير الشرعية فوق أراضي العرب، وللمحافظة على الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات في القدس، ونلاحظها تنشر هلالها وسطنا عبر توقيع معاهداتها للسلام مع مصر والأردن سابقا، ومع البحرين والأمارات، والمغرب، وعينها على توسيع بيكار مشاريع سلامها مع العرب بعد مراهنتها على الزيارة الرسمية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ( جو بايدن ) للمملكة العربية السعودية منتصف شهر أيلول المقبل بدعوة من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز لتفتح المجال لعلاقات مماثلة مع باقي الدول العربية وفي مقدمتها النفطية والثرية .
و(إسرائيل) بالمناسبة ماضية في مشاريع سلامها مع العرب، ولا تمانع من مد يهدها لتصافح إيران كما أمريكا وعبرها بنفس الإتجاه أيضًا ومن خلال الإتفاقية النووية الدولية ( 5+1 )، وتوقع السلام مع النظام العربي السياسي رغم رفض الشعوب العربية مجتمعة وماكانات إعلام دولها للتطبيع المبكر معها بسبب غطرستها، وإحتلالتها للأراضي الفلسطينية والعربية، ونشرها لمستوطناتها وسط أراضيهم ،ولن يرضى العرب عنها، و لن يعترفوا بوجودها مادامت محتلة لأراضيهم وناشرة لمستوطناتهم فيها، وحق العودة أولاً واجب إنساني للشعوب العربية المحتلة أراضيها في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا . والعالم العربي مهم في جوارها، وهو يمتلك طاقات بشرية هائلة ومبدعة، والبترول والغاز، والمصادر الطبيعية الغنية مثل الذهب والالماس واليورانيوم، والنحاس وما إلى ذلك من سياحة هامة غنية بالآثار التاريخية العميقة والدينية.
ومن دول الشرق الأوسط الهامة ( إيران )، وخطورتها عبر هلالها وسط العرب والشرق الأوسط لا يقل عن أهمية هلال ( إسرائيل ) وخطورته، لكنها ذات الوقت داعمة لحركات التحرر العربية في لبنان عبر ( حزب الله )، وفي فلسطين لحماس، ولسوريا دولة المقاومة من خلال ميليشياتها وحزب الله، وعينها على الأماكن الدينية الإسلامية وسط العرب في العراق والأردن وسوريا ولبنان، وفي غير مكان . وبدلا من أن ينصب لها العرب إلى جانب ( إسرائيل ) العداء، أصبح مطلوبا منها أن تعتدل وتلتزم بأيدولوجيتها الصوفية – الشيعية المتشددة داخل حدودها، والسنة بطبيعة الحال هم الأغلبية في الجوار، وزعامة العالم الإسلامي هي بكل تأكيد لأتباع السنة وسط الدين الأسلامي الحنيف . وأصبح مطلوبا أكثر من إيران أن تتخلى عن مشروعها السري النووي العسكري وإلى الأبد، وهو المرفوض من قبل ( إسرائيل ) المنطقة، وهو مهدد لأمنها أولا رغم إمتلاكها ترسانة نووية عسكرية خاصة بها تحمل طابعًا سريًا متشددًا، وكذلك من قبل الغرب الأمريكي، وهو مراقب لوجستيا من قبل ( النادي النووي ) وعلى مدار الساعة .
وتركيا لاعب سياسي وإقتصادي إقليمي هام في المنطقة وبالجوار العربي، وهي متهمة بأطماعها لأعادة الأمبراطورية العثمانية، وسبق لها أن سيطرت على إقليم ( الأسكندرونة ) السوري عام 1939 وفق إتفاقية خاصة مع الفرنسيين، وتمتلك حدودا ساخنة مع العراق، ومع سوريا، ولها قضية ساخنة مع الأكراد، وهي قوية السلاح والإقتصاد، وروسيا الإتحادية قريبة منها، وبينهما سياحة قوية، وهي عضو فعال في حلف ( الناتو ) العسكري، لكنها لا تعادي روسيا ، وتدعوا دائما للحوار لإيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية رغم إعترافها بسيادة إقليم ( القرم ) لصالح غرب أوكرانيا و( كييف ) . وتركيا من الدول الإقليمية التي تمتلك ترسانة C400) ( الصاروخية الباليستية الروسية الصنع في زمن إنتاج روسيا لمنظومة C500) ( الصاروخية الأكثر حداثة في العالم، وهي دفاعية . وتركيا صديقة للعرب ولدول الشرق الأوسط ، وهي متقلبة في سياستها مع جارتها سوريا، والأصل أن يبقى الشأن السوري وماله علاقة بحاضر ومستقبل الدولة السورية والشعب العربي السوري بأيديهم أنفسهم، وهم يعرفون مصلحتهم الوطنية والقومية أكثر من غيرهم ، وأزمتهم التي بدأت وإستمرت دموية وسط الربيع العربي والسوري، هي في طريقها للتعافي، والدور الأكبر في التعافي لهم يسجل للعرب ولإيران، ولروسيا .
والخوف الكبير الذي يبقى يداهم شعوب المنطقة الشرق أوسطية هو إحتمالية تغيير مسار التجمع الشرق أوسطي العسكري والإقتصادي المقترح وبدور بارز فيه لإسرائيل ولأمريكا تجاه معادات روسيا الإتحادية الصديقة الإستراتيجية للعرب للشرق، وها هو الرئيس الفرنسي ماكرون يبحث ميدانيا في قمة الدول السبع في قلعة ( الماو ) الألمانية بتاريخ 26 حزيران 2022 مع الرئيس الأمريكي بايدن مستقبل النفط الروسي بعد أزمة الغرب كله مع النفط العربي ، وتخصيص 600 مليار دولار للبنية التحتية العالمية، وأكثر من ذلك نخشى زجنا نحن العرب وشعوب دول الشرق في أتون الحرب الأوكرانية التي يراد لها من جهة الغرب الأمريكي والبريطاني تحديدا أن لا تنتهي وتبقى مستمرة لأسباب ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح، وليس لتفاصيل ذات علاقة بسيادة أوكرانيا التي إنسلخت عنها أقاليمها الثلاثة ( القرم، والدونباس، ولوغانسك ) وإلى الأبد، وبقرار شعبي واضح، وليس أمام عاصمتها ( كييف ) إلا خيار مسك العصا السياسية من الوسط والعودة إلى طاولة الحوار مع ( موسكو ) وتشجيع الغرب الأمريكي بالإتجاه السلمي الحواري فقط . وحسب إعلان حديث لمدير مكتب قصر ( الكرملين ) الرئاسي في موسكو دميتري بيسكوف، فإن الحرب في أوكرانيا من الممكن أن تنتهي في يوم واحد حالة إعلان ( كييف ) إستسلامها.