كان الأردن مضرب المثل في بنيته التحتية، ومستوى قطاعاته الصحية والتعليمية وغيرها من قطاعات بما فيها النقل، حتى نهاية الثمانينيات تقريبا، ومنذ التسعينيات بدأ التراجع نحو الأسوأ.
لنستذكر معا الحوادث المفجعة التي مرت على هذه البلاد، انفجار حاويات الألعاب النارية في ميناء العقبة ذات زمن، وحادثة صوامع القمح القديمة، وما نجم عن الحوادث من ضحايا، قصة خزانات الأوكسجين في مستشفى السلط، وما نجم عنها من ضحايا، قصة رحلة البحر الميت وما نجم عنها من ضحايا، ولو أردنا الاستذكار لما انتهينا، خصوصا، أنه يمكن إضافة سلسلة طويلة من حوادث السير الكبيرة، وغيرها من حوادث إلى هذا السجل في هذه البلاد المفجوعة والمتألمة.
إذا أردنا تسييس هذه الحوادث فهذا ممكن، وبسببها قد تسقط حكومات، وإذا أردنا حشر المسؤولية في الفنيين والمختصين فقط، فهذا ممكن أيضا، وبسببها قد يتم طرد مسؤولين.
تحميل المسؤوليات هنا مهم جدا، لكن الأهم يتعلق بأسباب استمرار هذه الحوادث، ودون الخوض فيها سوف تخرج علينا كل عدة أشهر، حادثة مؤلمة جديدة، وهذا يعني أن تحليل الأسباب ومعالجة المشاكل أمر مهم، وهنا يمكن القول إن كل القطاعات بحاجة إلى مراجعة، من حيث معايير السلامة، والأمان، ومن حيث الجودة، ومناسبتها بوضعها الحالي للخدمة، أو تقديم الخدمات، إلى الناس، خصوصا، أن المفاجآت محتملة، وعلينا توقع المزيد من الحوادث الكبيرة.
الهروب دوما إلى الجملة التي تقول إن الحوادث تقع في كل دول العالم، هروب لم يعد منتجا، إذ على صحة الكلام، فإننا نسأل عن السبب الذي يمنعنا أن نقارن أنفسنا بأحسن ما في العالم، وليس التورط في المقارنات في الكوارث والأزمات، دون غيرها من سمات تتصف بها الدول.
البنى التحتية في الأردن، مهترئة وقديمة، هذه هي الحقيقة، من الشارع المتشقق إلى حبل الرافعة الضعيف الذي أسقط خزان الكلورين، والأمر يمتد إلى أغلب القطاعات، وتتعمق الأزمة بسبب الإدارات المهترئة أيضا، والتي لا تعمل، ولا تلتزم بواجباتها، والكل فيها غضبان من الدنيا، ومن راتبه، ومن الشقاء الذي هو فيه، فلا يأبه بواجباته، وقلبه يتمنى الحريق لكل من حوله وحواليه.
هذا يعني أن الاكتفاء بلجنة تحقيق في قصة العقبة، أو طرد مسؤول من هنا أو هناك، أو حتى المطالبة بإسقاط الحكومة كلها، لن يحل المشكلة، فلدينا أبناء فقدناهم، وهذه ليست المرة الأولى، والكارثة الأدهى والأمر أن كل القطاعات تتفرج، ولا يستفزها حادث لتتفقد بنيتها التحتية، أو معايير السلامة في الميناء، أو المطارات، أو المعابر البرية، أو المصانع، أو المستشفيات، وغيرها من مواقع، باعتبار أن كل الأمور تحت السيطرة وعلينا أن ننتظر كارثة جديدة في موقع ما.
في دولة أخرى، يتم جمع كل أركان الدولة، والجهات المختصة، من أجل طرح سؤال واحد يقول لماذا تراجعنا إلى هذا المستوى، ومن خلال هذا السؤال يتم البدء بإجراءات تشمل كل القطاعات، وكل شيء في البلد، لكننا اعتدنا هنا الترقيع، والعلاج بالقطعة، وبعضنا مشغول بتصفية حساباته السياسية، ويريد فقط الإطاحة بالحكومة الحالية، على أساس أن من بعدها لن تقع في زمنها حوادث، فيما الواقع يقول إن كل شيء قد ضعف، أو اهترأ، أو تراجع من حيث جودته.
حين نفقد أبناء هذا البلد، ويدخل المئات إلى المستشفيات، فهذا أمر خطير جدا، وهي حوادث قابلة للتكرار مرارا في مواقع مختلفة، يتم تركها دون مراجعة لأوضاعها، وفي أحسن الحالات يتم التسلط عليها، بذريعة تفقد مستواها، ولا أحد لدينا عاقل يتوسط في المعالجة، ويقرر فتح ورشة كبرى لمراجعة كل شيء، من مولد الكهرباء في المستشفى الحكومي والخاص، وصولا إلى خزانات الكلورين، مرورا بقائمة تطول من الأشياء التي قد تتحول إلى مهددات في لحظة مباغتة.
لو كان الأردن خربا، من أول أيامه، لسكتنا على ما نراه هذه الأيام، لكنه كان مضرب المثل، وتركناه ليتراجع بشكل تدريجي، على مستويات مختلفة، ولا نجد سوى سياسات الترقيع الفاشلة والمكلفة، بدلا من الحلول.
هذا ليس توقيتا للتحريض على أحد، هذا توقيت للدعوة لاسترداد الأردن الذي كنا نعرفه.
الغد