“ناتو” شرق أوسطي: حقيقة أم حلم؟
نبيل غيشان
28-06-2022 07:43 PM
أمريكا قوة اقتصادية وعسكرية هائلة تعبث أياديها في إنحاء العالم دفاعا عن مصالحها دون رقيب او حسيب، حتى أن دول العالم باتت تشعر وكأن لها حدود مشتركة مع الأراضي الأمريكية.
والمكان الوحيد في العالم الذي تقدم فيه واشنطن مصالح "الغير" على مصالحها هو الشرق الأوسط، حيث أن كل اهتمامها في هذا الإقليم يتلخص برعاية (إسرائيل) والحفاظ على تفوقها على العرب عسكريا واقتصاديا.
وقد استطاعت دولة الاحتلال منذ أربع سنوات قلب المعادلة في الشرق الأوسط، وإقناع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بأن وجود إيران في الإقليم وهو الخطر الأول والأخير، وكذلك أقنعت بعض العرب بأولوية هذا الخطر على (إسرائيل)، الدولة المارقة والأولى في العالم التي ترفض قرارات الشرعية الدولية.
وتقف منطقة الشرق الأوسط على أصابعها بانتظار منتصف الشهر المقبل موعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يأتي للمنطقة؛ بحثا عن تخفيف أزمة الطاقة العالمية، وفي نفس الوقت ليضغط من اجل قيام تحالف شرق أوسطي يضم ثماني دول عربية بالإضافة الى (إسرائيل).
وقد استطاعت أمريكا و(إسرائيل) إقناع بعض الأطراف العربية بان الخطر الإيراني يتهدد دول المنطقة، وان (إسرائيل) بقوتها العسكرية بما فيها النووية هي الطرف الوحيد في المنطقة القادر على حمايتهم من الخطر الإيراني. طبعا بعض الدول جاءت مقتنعة بهذا الطرح والبعض الآخر جاء صاغرا لمفهوم القوة ولوازمها ومحاولة تمرير العاصفة.
نعرف أن إيران دولة لم تخرج بعد من عباءة الثورة وهي صاحبة مشروع سياسي إقليمي يركب على مشروع ديني، وإيران عبثت وتعبث بعواصم عربية منها بغداد التي سلمها لها الاحتلال الأمريكي على طبق من ذهب بعد تدمير العراق بأسانيد وتهتم باطلة ثبت كذبها.
لكن إذا ما وضعنا إيران ودولة الاحتلال في ميزان يقيس الخطر الداهم على المنطقة، فان المعادلة هنا مختلة وغير منطقية إطلاقا.
فالدولة التي احتلت فلسطين التاريخية وشردت أهلها منذ عام 1948 هي (إسرائيل) وليست إيران، وهي المسؤولة المباشرة عن معاناة ملايين الفلسطينيين حول العالم وهي مصدر الخطر الدائم والتوتر في المنطقة ولا يمكن أن تتقدم إيران الدولة الجارة على جرائم الاحتلال ونازيته.
هل من مصلحة العرب أن يدخلوا في هكذا حلف بوجود دولة الاحتلال؟ هل من مصلحة الأردن ذلك؟ هل من مصلحة لفلسطين وقضيتها؟
طبعا لا مصلحة في ذلك، إلا إذا جاء هذا الحلف تتويجا لحل المشاكل التاريخية للإقليم وإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة حسب مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وهذا يحتاج الى ربط تطبيق مبادرة السلام العربية بدخول العرب للحلف.
إذا مصلحة العرب هو إحلال السلام في الشرق الأوسط وليس زيادة التوتر والانقسامات الإقليمية والدينية، حيث يعتقد البعض أن الضربة الإسرائيلية الأمريكية لإيران قادمة لا محالة، وهو افتراض غير واقعي لان أمريكا لا تستطيع إشعال حرب جديدة في جوار اكبر خزان نفطي في العالم ويكفيها أسعار المحروقات وما سببته من أزمة عالمية في الطاقة والغذاء نتيجة الحرب في أوكرانيا.
إن الولايات المتحدة تقترب كثيرا من العودة الى اتفاقها 5+1 مع إيران، وهو ما لا يروق لدولة الاحتلال. كما عادت اتصالات المملكة العربية السعودية مع إيران، أما العراق والإمارات العربية المتحدة فان مصالحهما الاقتصادية والسياسية لا يمكن أن تقوم على معاداة إيران والدخول في حلف صريح ضدها، وكذلك الأمر مع قطر التي ترغب أن يمر هذا الصيف "بردا وسلاما" حتى تمر بطولة كأس العالم لكرة القدم بخير.
ونحن في الأردن مصلحتنا الاستراتيجية هي قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967 ودخولنا في حلف (ناتو) مع (إسرائيل) هو مكافأة للاحتلال وحل مشاكله على حساب الأردن وفلسطين، وهو تمهيد لفرض قيام كونفدرالية مع الفلسطينيين دون أرضهم.
كان الملك عبد الله الثاني حذرا في كلامه عن الحلف الجديد رغم موافقته الصريحة عليه نتيجة المخاوف من نتائج زيارة بايدن للمنطقة والتغييرات المرتقبة في خرائط العالم والإقليم، وهذا الموقف يشابه موقف الأردن من صفقة القرن التي لم يستطع أن يقول لها لا صريحة، لكنه حدد شروط السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط وهي المعايير التي خلت منها الصفقة ولم يتنفس الأردن الصعداء إلا بمغادرة ترامب البيت الأبيض.
الأردن موقفه صعب، عينه على فلسطين وحلم قيام الدولة المستقلة لكنه يرى الوضع العربي المتردي وما خلفته الاتفاقيات الابراهيمية من انهيار للمنظومة العربية، وبالتالي يرى انه لا يستطيع وحده التصدي للمخاطر التي تضرب القضية الفلسطينية ومجابهة المخاطر الإسرائيلية التي باتت تهدده يوميا إضافة لوضعه الاقتصادي المتردي وحاجته للمساعدات الأمريكية.
أمريكا ليست قدرا، والعالم مرجل يفور من الغليان، وقبضة العم سام تهتز، وأطراف عديدة تختلف وتناكف أمريكا اقتصاديا؛ بما فيها دول أوروبية والسعودية والإمارات العربية المتحدة وحتى ربيبتها (إسرائيل). وحدهم العرب منقادون لأمريكا وكأنهم مسحورون او مضبوعون.