تحدثت في مقالة سابقة عن تشكيل مجالس أمناء الجامعات، وقلت: إنها تمّت وَفْقَ المعايير التقليدية، مع أن التحديات التربوية ماثلة للعيان، وأن مواجهتها تتطلب معايير جديدة غير الزبائنية والاختطاف والتدوير، ولفَت انتباهي التنوع في الفئات التي تتشكَّل منها هذه المجالس. فالاقتصاديون مثلًا لم يحلّوا مشكلة الديون، وقادة المجالس لم يسهموا في تطوير الجامعات وتحقيق تقدم في تصنيفاتها!!
أمّا ذوو الخبرة التربوية والمجتمعية، فلم يسهموا بخبراتهم في التطوير. وكان ملخص ما قلت: هناك مشكلات في التعليمَيْن، وحلّ هذه المشكلات يتطلب خبرات لم تسهم في صناعتها! فما الخبرات المطلوبة لتطوير التعليم؟
قبل الإجابة، أعتذر لرئيس الجامعة الأردنية عن خطأ أشار فيه إلى أن دولة خليجية سحبت اعترافها ببرامج الجامعة، والحقيقة أن موقف تلك الدولة كان خاصًّا ببرنامج جزئيّ من مئات البرامج المعتمَدة، وكل التقدير للجامعة ورئيسها وتاريخها التي كنت أوّل خريج ماجستير فيها سنة ١٩٧١.
عودة إلى ذوي الخبرة:
في مقابلة حديثة لهنري كيسنجر؛ وصَف القياداتِ الفاعلةَ بأنها هي مَنْ عانت واعتزلت وتأمّلت، ولجأت خارجَ أوطانها، وأُبعِدت، وضرب أمثلة على ذلك مثل: ديغول، أديناور، وغيرهما. وجميعهم سُجنوا ولجأوا وتمرمروا وقضوا فترات طويلة في عزلة وتأمّل، وهذا ما وفّر لهم بناء رؤيا ورسالة وقيم حافزة للعمل والإصلاح! المعاناة تخلق الإخلاص والاهتمام والأفق الواسع، والاطلاع والبحث، وبلورة الأفكار.. وأخيرًا الخبرة! والكل يعرف أنّ سنوات الخدمة ليست خبرة! بل قد تكون ماسِحة لها!! هذا ما يجب أن نبحث عنه في الخبرة:
مَنْ قلِق مِنْ وضْع التعليم،؟ ومَنْ عانى؟ ومَنْ قدّم جهدًا؟ ومَنْ تطوّع؟ ومَنْ تبرّع؟.
مَنْ ناضَل وطالَب؟ بل مَنْ كتب لإثارة، أو بَنى وعيا تربويّا؟ مَنْ تصدّى لمواجهة أعداء التغيير؟
هكذا تُبنى الخبرة! وهذا ما كان عليه اعتراضي! اختطاف ذوي الخبرة واستبدال الشكل والمُحاصَصة بالخبرة الحقيقية!
لدينا مشكلة تعليم!! وحلُّها لن يكون ممّن اعتقدتموهم خبراءَ!!!