ثمة مفردة مفقودة أو قطبة مخفية, في التواصل بين المسؤول والمواطن, والأسباب معروفة لمن يريد المعرفة, فالمسؤول وطوال سنوات من غياب الحياة السياسية والحزبية والبرامج المتصارعة على المائدة الوطنية, اعتاد ان يسمع صوتين فقط, صوته وصدى صوته, فلا يوجد حزب يطرح برنامج نقيض او بديل, ولا يوجد اعلام يشير إلى بواطن الخطأ أو ينشر رأي حكومة الظل, فصار الصحافي بدوره ناقداً ومفكراً, ولم يعد حارساً لبوابة فقط, كما هو التعريف الحقيقي للصحافي.
المواطن بدوره وخلال سنوات من سماع الرأي الواحد, وعدم مقدرته على توصيل صوته او رأيه, اعتاد على ادوات التعبير الرافضة الغاضبة, فهو اما يخرج الى الشوارع محطماً كل ما يظن انه ملك للسلطة, رغم ان هذه املاكه لانها املاك الدولة, وليست املاك السلطة, سواء كانت هذا الاملاك معنوية او مادية, فهو يقول موقفاً ولا يقول رأياً, وابرز مظاهر الازمة في بلدنا ومعظم البلدان التي نتشارك معها في بنية السلطة, اننا نقدم موقفاً ولا نقدم رأياً او بديلاً للمطروح, فنحن ايضاً كمواطنين لم نمتلك ادوات التعبير الدستورية, الى ان ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي, فصارت هي الوسيلة الاعلامية التي يمتلكها كل فرد ومن خلالها يقول موقفه, والمواقف بالضرورة لا تحتمل النقاش او الرأي الآخر.
هذا الواقع الذي عملنا فيه لسنوات طويلة من عمر الدولة, سلطة بلا محاسبة, ومواطن بلا اشكال تعبير سلمية ومؤسسات قادرة على احتواء رأيه وتحويل الرأي الى برامج عمل يدافع عنها, ويجد لها انصارا ومؤيدين, يقومون بدعمها عبر صناديق الاقتراع, فيكون نائبا او وزيرا مسلحا ببرنامج يحظى بدعم شعبي, ويخشى ان يفقد هذا الدعم, فالسلطة اجهضت كل المشاريع والتشريعات, التي تجعل المواطن يدفع ثمن صوته وخياراته, سواء السياسية من خلال البرلمان او الخدمية من خلال مجالس المحافظات والبلديات, فكلفة الريعية سهلة على السلطة لكنها باهظة على الدولة.
نقرأ ونلاحظ ونشاهد, في الدول الديمقراطية, كيف ان المواطن يعود الى صناديق الاقتراع كلما عصفت ازمة في بلده, سياسية كانت او اقتصادية, ولا نشاهد كل مظاهر العنف الشعبي سواء اللفظية او الفعلية, فالانتخابات المبكرة هي الوصفة الاكثر نجاحاً حتى هذه اللحظة, في كل الاقطار الناجحة, ولا زالت الانفعالات وتغيير التشريعات وتغليظ العقوبات, هي الوصفات السائدة في الدول النامية أو دول العالم الثالث ونحن منهم, فكلما غضب مسؤول من نقد او تجاوز ركض الى التشريعات ليعيد توضيبها على قياسه, دون ادنى اعتبار لاماني المواطنين وآلامهم.
وكلما غضب مواطن او طامح او طامع او موتور, استخدم اردأ التعابير والمفردات الصفيقة, حيال المسؤول وعائلته وابنائه, دون ادنى مراعاة لكرامة الافراد, سواء كانوا مسؤولين سابقين او عاملين, وللاسف لا يجري تطبيق القانون وتفعيله, على كل متنطح او موتور وخارق للقانون وللتقاليد الجمعية, بل نقوم بتنشيط كل الادوات القانونية وغير القانونية, على معارض سياسي او صاحب رأي نقدي, وهذا شجع الغوغاء والدوغما, الذين يسيطرون على مواقع التواصل الاجتماعي, وافضى الى انسحاب اصحاب الرأي والملتزمين بادوات الخطاب النقدي المحترم, بل شاهدنا محاولات احتواء لكل خارج عن مألوف النقد السياسي والعمل الحزبي المعارض, لصالح اصحاب الاصوات العالية, والتي تخلو من اي مفردة سياسية, بل كلها شتائم وجعجعة واكاذيب.
بدون مواربة ما نحتاجه اليوم, كتاب أبيض او ثورة بيضاء, نعترف فيها باخطاء الماضي وتجاوزاته, ونعترف فيه بخروج الادوات السياسية والخدمية السابقة من الخدمة العامة, واعادة السلطة الى حضن الدولة ومؤسساتها الشرعية الخاضعة للمحاسبة والمساءلة, وفتح صفحة جديدة قوامها المواطنة المسؤولة القائمة على الحقوق والواجبات, والارضية جاهزة اليوم بعد الاصلاحات السياسية والاقتصادية والتطوير الاداري.
omarkallab@yahoo.com
الرأي