Top Gun والنبش في الدفاتر العتيقة
كمال ميرزا
25-06-2022 05:21 PM
من باب الفضول أردتُ معرفة هوية "العدو" في فيلم (Top Gun) الجديد الذي استدعى النبش في دفاتر عتيقة واستحضار شخصية (مافريك/ توم كروز) من الماضي لاستثمارها دعائيا وخطابيا.. وطبعا ماديا!
بعد البحث تبيّن لي ما يلي:
- الطيار العتيد والعريق (مافريك/ توم كروز) يدرّب مجموعة خاصة من الطيارين تحت إمرة صديقه الحالي وخصمه القديم قائد أسطول الباسيفيكي أو المحيط الهادي.. في إشارة إلى الصين.
- الخصم المباشر في الفيلم للطيارين الأمريكان "الأبطال" هو طائرات (su 57).. في إشارة إلى روسيا.
لاحظ هنا اختزال "الآخر" أو "العدو" ونزع الإنسانية عنه؛ فمن جهة أمريكا لا نرى طائرات أو العبرة ليست في الطائرات بمقدار ما أنها في الطيّارين الأبطال الذين يقودون هذه الطائرات (الخيل بخيّالها)، والذين برغم "دراما" حياتهم الشخصية وتاريخهم الشخصي يتجاوزون معاركهم "الصغرى" في سبيل الصراع "الأكبر" و"الصالح الإنساني" و"خير البشرية".. في حين أنّ الموجود على الطرف الآخر مجرد آلات/ طائرات، بغض النظر عن إنسانية ودراما الطيارين "النكرات" الذين يقودون هذه الطائرات.
- مهمة الأبطال الأمريكان هي تدمير مصنع لتخصيب اليورانيوم في دولة أجنبية "شريرة"، والمصنع موجود في موقع محصّن ومحمي وسط جرود وأودية صخرية.. في إشارة إلى إيران.
حبكة الفيلم و"ترتيب" العدو يعكسان "تراتبية" الصراع في وعي صانعي هذا الفيلم ومَن يقفون وراءه:
- عداوة إستراتيجية/ جيوبولوتيكية طويلة المدى مع الصين.
- عداوة تجارية/ رأسمالية متوسطة المدى مع روسيا (مَن طائراته/ أسلحته أفضل ومَن سيسيطر على سوق السلاح).
- عداوة عسكرية/ تكتيكية قصيرة المدى مع إيران (ترتبط بالإجراءات العملية لإعادة ترتيب المنطقة وفق تصوّرات ومخططات مسبقة).
الفيلم تفوح منه رائحة كبريات شركات تصنيع الطائرات الأمريكية، فجزء من حبكة الفيلم ودعايته "الداخلية" إذا جاز التعبير، الانتصار لفكرة الطائرات "بطيار/ بطل" ضد الطائرات من دون طيار التي تسيطر على تفكير صانعي القرار والمخططين العسكريين ورؤيتهم لـ "حروب المستقبل".
يعزز من ذلك إقحام اسم وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) في الفيلم (التدريب يجري في جزيرة شمالية تابعة لناسا)، ومعروف أنّ كبريات شركات تصنيع الطائرات الأمريكية هي أيضا كبار المورّدين لمركبات وتجهيزات وعطاءات برنامج الفضاء الأمريكي التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات (من جيوب دافعي الضرائب الذين يجلسون بلا مبالاة أمام الشاشة منتشين بأفيون المخيال الهوليوودي المبهر والصنعة الهولوودية المتقنة)!
نبش شخصية (مافريك/ توم كروز) التي تحمل رمزية "أيقونية" في أذهان الجمهور الأمريكي (جمهور وليس شعبا) هدفها إسباغ "شرعية" على الرسائل الدعائية والخطابية التي يتضمنها الفيلم.
ولكن هذا النبش بحد ذاته يحيل إلى مسألتين مهمتين يمكن أن تكونا موضوعا لمزيد من الدراسة والتحليل الأكاديمي والمعرفي:
- كيف أنّ هوليوود هي مصنع للرموز والأيقونات في الوجدان الأمريكي والثقافة الأمريكية.
- كيف أن الرموز والأيقونات في الوجدان الأمريكي والثقافة الأمريكية المعاصرة هي أيقونات افتراضية/ وهمية/ مصنّعة (وأحيانا أسطورية في حالة الأبطال الخارقين)، وليست حتى إعادة إنتاج خطابية ودعائية لأيقونات تاريخية حقيقية من لحم ودم!