تلعب الأخلاق دورا مهما وفعالا في حياة الكثير من المجتمعات على اختلاف مبادئهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم, لذا فإن الالتزام بالأخلاق الحميدة ينعكس بشكل فعال ومباشر على سلوكيات الأفراد, إذ يصبح سلوكهم يتسم بالثبات والتسامح والتعاون ليكون دافعا ومحركا ايجابيا لتحريرهم من أهوائهم وغرائزهم وتعميق إحساسهم بالانتماء إلى مجتمعهم, كما تساعدهم على التأقلم والانسجام مع واقع المجتمع الذي يعيشون فيه، وعليه فإن المجتمعات المتقدمة لا تعتمد دائما على إمكانياتها المادية والتقنية بقدر ما تعتمد على إمكانياتها البشرية القادرة على التمسك والالتزام بمجموعة من الأخلاقيات والسلوكيات المهنية.
فالأخلاق تعد بمثابة الخط الأول للدفاع عن المجتمعات, لاتصالها المباشر والوثيق بالعملية الإدارية باعتبارها من أهم القواعد والمبادئ المنظمة للسلوك الإنساني التي من خلالها تنعكس على التزام الفرد بعمله, وتعد أخلاقيات المهنة التعليمية من الموضوعات الرئيسة التي تناولها المسلمون بالبحث وسبقوا غيرهم وكانوا أول من أدرجوا في كتبهم أهمية المبادئ والأسس الأخلاقية التي تقوم عليها المهنة, كما أوضحوا طبيعة المهنة وما يتطلبه أداؤها من صفات خلقية وقدرات شخصية، وقد عني الإسلام بهذا الجانب المهم وجعله السبيل الأمثل في التعامل بين الأفراد والجماعات.
إذ جاءت الشريعة الإسلامية ووضعت مبادئ أساسية للوظيفة ولشاغلها وحثت على إتباع الأخلاق الحسنة في التعامل سواء في المنظمة على وجه الخصوص أو خارجها بصفة عامة، إذ تنظر الشريعة الإسلامية إلى الوظيفة على أنها أمانة حيث قال الله تعالى:}إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سميعاً بَصِيرًا{(سورة النساء الآية 58) ، ولأهمية الأمانة فقد كانت من أبرز صفات الرسل والأنبياء, فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام كلٌ منهم كان يقول لقومه:{ إني لكم رسول أمين} (الشعراء:107).
كما وتنظر الشريعة الإسلامية إلى الوظيفة العامة على أنها مسؤولية شخصية وليست جماعية، فكل شخص مسؤول عن عملة وتصرفه, والإسلام ينظر إلى الموظف العام على أنه حارس أمين, وعليه أن ينتمي للجهاز الوظيفي ويخلص في عمله ويبذل قصارى جهده لأداء عمله, ويراعي مواعيده دون الحاجة إلى رقابة من رقيب أو رئيس, فالرقابة على الموظف العام تبدأ من ضميره الحي الذي يرعى الله في كل خطوة يخطوها، وتنظر أيضا للوظيفة على أنها تكليف وليست حقا وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه)، وبذلك يتضح أنه لا تسند الولاية لمن لا يتوفر فيه الكفاية اللازمة لشغلها طمعا في المنصب، كما أن الوظيفة العامة التزام خلقي وتعبدي وشعائري لأن الدولة الإسلامية دولة عقائدية, والإدارة الإسلامية ينبغي عليها أن تتأكد من ظهور هذا الاعتقاد على السلوك اليومي للعاملين.
وبناءً على ذلك فإن الأخلاقيات المهنية تعد من أهم الموجهات المؤثرة في سلوك الأكاديمي، لأنها تشكل لديه رقيبا داخليا وتزوده بأطر مرجعية ذاتية يسترشد بها في عمله، ويُقوم بها أدائه وعلاقاته مع الآخرين تقويما ذاتيا يعينه على اتخاذ القرارات الحكيمة التي يحتاجها ليكون أكثر انسجاما وتوافقا مع ذاته ومع مهنته, إذ يتحدد مقدار انتماء الأكاديمي لمهنته بموجب درجة التزامه بقواعد تلك المهنة ومراعاتها في جميع الأحوال والمواقف.
ففي المدرسة فإن المدير هو المسؤول الأول والمشرف على جميع شؤونها التربوية والتعليمية والإدارية والاجتماعية, ويجب عليه الالتزام لأحكام الإسلام والتقيد بالأنظمة والتعليمات وقواعد السلوك والآداب واجتناب ما هو مخل بشرف المهنة، وتهيئة البيئة التربوية الصحيحة الصالحة لبناء شخصية الطالب من جميع جوانب النمو وإكسابه الخصال الحميدة, إذ أن أخلاقيات المهنة في مجال التعليم من أهم الموجهات المؤثرة في سلوك المديرين والمربين، لأنها تشكل رقيبا داخليا، لديهم وتزودهم بأطر مرجعية ذاتية، يسترشدون بها في عملهم، ويقومون أداءهم وعلاقاتهم مع الآخرين تقويما ذاتيا يعينهم على اتخاذ القرارات, فقد أصبحت الموارد المادية والتكنولوجية غير كافية لبلورة الأمور وضبطها، لذا لا بد من توفر موارد بشرية مؤهلة ومدربة تمتلك سلوكيات أخلاقية ومهارات وظيفية تساعد على تقدم المؤسسة التربوية ورقيها، بما يسهم في شعور المعلمين بالاستقرار، والرغبة في العطاء والإنجاز، مما ينعكس تأثيره على الطلبة الذين هم محور العملية التعليمة والمخرجات الأساسية للعملية التعليمة، فالأخلاقيات المهنية مهمة وضرورية وتعد من أساسيات سلوك الأفراد المستحبة وخاصة في ميدان العملية التعليمية التي تهدف إلى بناء شخصية الإنسان بأبعادها، وكذلك أهمية الدور الذي يلعبه المعلم في مدرسته.
أما في الجامعة فإن الأستاذ الجامعي لا يهتم بتنمية المعارف والمهارات فحسب، بل يهتم بتكوين البعد القيمي والاتجاهات لدى الطلبة ويمارس علاقاته الإنسانية سواء أكان مع زملاء المهنة أم الطلبة، مما يساعد على تنمية الأخلاقيات المهنية في المؤسسة الأكاديمية، ومن هنا لمس الباحثون مدى خطورة أخلاقيات العملية التعليمة التي تنعكس على طلبتها التي تعد في مرحلة البناء للطالب، ويكون الطالب بأمس الحاجة لمن يأخذ بأيديهم ويوجههم التوجيه السليم.
لذا كان لا بد من وجود دستور أو ميثاق أخلاقي مهني رسمي للتعليم يحدد الواجبات والحقوق وطبيعة العلاقات التي تربط بين العاملين في مهنة التعليم وبين الطلبة, بالإضافة لتعزيز مسؤولية الدولة تجاه التربية والتعليم بوصفها القاعدة الاجتماعية الواسعة مع ضرورة تنشئة الجيل الجديد على أسس أخلاقية يتحلى بها المعلم ويتصرف على ضوءها بما يعزز القيم الخلقية للطالب، والسعي أيضا لتوحيد عملية تقويم سلوك المعلمين وتوجيههم من قبل إدارة المدارس والجامعات والمشرفين التربويين وفق معايير عملية موحدة بما يحقق العدالة والاطمئنان للجميع.