تفيد تقارير إخبارية بتسجيل درجات حرارة غير مسبوقة في عدد من المدن الأوروبية مؤخرا تزيد على 40 درجة مئوية، حتى أن شبكة CNBC الإخبارية الأميركية وصفت الأمر وكأن العالم يعيش “على صفيح ساخن”.
خذوا مثلا مدينة بياريتز الفرنسية، والتي سجلت أعلى درجة حرارة في تاريخها عند 41 مئوية قبل أيام. وهذا طبعا إضافة لما تم تسجيله، الشهر الماضي مثلا، في مدينة دلهي الهندية حيث بلغت 49 درجة مئوية!
لنتمعن أيضا في تحذيرات لباحثين، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية، من ارتفاع لدرجات الحرارة بمعدلات غير عادية في القطب الشمالي، “قد تصل إلى سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي”، ما قد يهدد بإنهيار مناخي على وجه الأرض خلال عقود، حتى أن عالم الجليد، تيد سكامبوس، من جامعة كولورادو الأميركية، وصف الأمر بقوله: “لم أر شيئا كهذا من قبل”.
هذه بعض أمثلة، لكن الأمر لا يقف فقط عند لهيب الحرارة وذوبان الثلج، بل بات يهدد أمورا حيوية في حياتنا ومنها أمننا الغذائي. فبعض المحاصيل مهددة بالانقراض عن وجه المعمورة قبل نهاية هذا القرن، ومنها، بحسب مجلة غرين كوين الصادرة في هونغ كونغ، الكاكاو والبن. تخيلوا عالما بلا شوكولاتة ولا قهوة!
أما على مستوى الحيوانات مثلا، فالعالم مهدد أيضا بنقص حاد في إنتاج الحليب، ومرد ذلك علميا أن ارتفاع الحرارة يزيد من حاجة الأبقار لشرب الماء، وهذا بدوره يقلل من نسب إنتاجها للحليب 10 بالمائة على الأقل. أضف إلى ذلك الكوارث التي تحدث في البيئة البحرية، بسبب التغير المناخي، وتهديد الآلاف من الحيوانات البحرية بالانقراض ومنها أنواع من الحيتان وأسماك القرش وغيرها.
لم يعد الأمر مجرد وثائقيات يشاهدها الناس وقت فراغهم، رغم أهمية ذلك، فلا بد من جهود عالمية حاسمة للحد من انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري إذا ما أردنا الاستمرار في الحياة على هذه الأرض، التي ترزح تحت وطأة طيش وطمع البشر في استغلال مواردها.
ورغم كل ما تقدم، فالأمل موجود لمجابهة تداعيات خطر التغير المناخي، ولنا في جهود بعض الدول مثالا. خذوا الإمارات العربية المتحدة، وهي التي تقود العمل المناخي في المنطقة باعتبارها أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصادق على اتفاق باريس للمناخ، كما أنها تحتضن المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، وهي التي ستستضيف نهاية العام المقبل مؤتمر الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 28” في مدينة إكسبو دبي الصديقة للبيئة، وذلك بعد استضافة مدينة شرم الشيخ في مصر لنسخة “كوب 27” هذا العام.
لا بد من عمل ودعم عربي وعالمي مشترك لضمان نجاح شرم الشيخ في مؤتمرها هذا العام، والأهم البناء على ذلك وصولا إلى إنجاز قياسي في دبي العام المقبل.
لا بد من اتخاذ قرارات شجاعة وجريئة، والأهم ملزمة ووفق سقف زمني لدول العالم، خصوصا الصناعية منها، وصولا إلى حلول عملية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفض انبعاثات الكربون والوصول، كما ترى الأمم المتحدة، إلى الحياد الكربوني في العام 2050.
الأمن البيئي ليس ترفا فكريا، كما يحلو للبعض منا تسميته، فنحن نعيش على كوكب أزرق خلقه الله لنا ليبعث فيه وفينا الحياة. “وما سنفعله على مدى الخمسين عاما المقبلة،” بحسب الخبير والمؤرّخ البريطاني المتخصص بالطبيعة، السير ديفيد أتينبورو، “سيحدد مصير كل أشكال الحياة على هذا الكوكب”. لننقذ أنفسنا قبل كل شيء.
(الغد)