النصر الروسي .. هل سينهي الحرب ؟
د.حسام العتوم
23-06-2022 11:46 AM
بداية لا أعتبر الحرب العملية الروسية - الأوكرانية حربًا بين الدولة الروسية العظمى والدولة الأوكرانية جارة التاريخ، ولا بين الشعوب الروسية وشعب أوكرانيا الشقيقة، ومن كان بإمكانه أن يلقي نظرة على العلاقات الروسية - الأوكرانية بين عامي 1991 و2014 سيجد بأنها كانت حميدة وطيبة، وهي لم تتغير في ظل قيادة الرئيس بوتين الذي لا تفضله الولايات المتحدة الأمريكية رئيسًا لروسيا الإتحادية، وتمكنت من إقناع أوروبا حديقتها الخلفية بنفس الإتجاه، وكل من قاد أوكرانيا قبل إنقلاب عام 2014 مثل ( كرافتشوك، وكوتشما، ويوشينكو، ويونوكوفيج، وتوروتشينوف ) إلتزموا بمسار حسن الجوار مع عمقهم الإستراتيجي روسيا الإتحادية، ومع قدوم الرئيس السابق بيترو باراشينكا – وزير خارجية وإقتصاد الرئيس الأسبق فيكتور يونوكوفيج – آخر رئيس أوكراني موالي لروسيا، بدأ الرسم البياني السياسي في أوكرانيا بالإنحدار، ويسجل على عهده مماطلته بتنفيذ إتفاقية ( مينسك 2015 ) التي كان من الممكن أن تضبط الأمن في أوكرانيا غربًا وشرقًا، وتحافظ على سيادة أوكرانيا، وتمنع التدخل والتغول الغربي في شؤون أوكرانيا، وبقدوم الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي ( الفنان الكوميدي ) إتجه سيناريو أوكرانيا صوب التهور والغرور، وتنفيذ مسرحية حرب قادمة وإستبدالها بالحوار المباشر مع الشرق الأوكراني ومع موسكو، وعبر إمكانية تطبيق إتفاقية ( مينسك ) وحوارات النورماندي من أجل مستقبل أمن لأوكرانيا وحفاظًا على سيادتها التي ضمنته لها الأمم المتحدة عبر عضوية دائمة، وبدأت في عهد باراشينكا وزيلينسكي ترجمة حقيقية لإنقلاب ( كييف 2014 ) وثوراته البرتقالية الميدانية الممولة والمدارة لوجستيًا من الغرب الأمريكي مباشرة، ومن خلف الكواليس، والهدف القريب والمتوسط وبعيد المدى هو إستهداف روسيا ومحاصرتها، وإضعافها، وحتى تمزيقها إن أمكن ذلك، وجاءت المفاجئة صادمة لـ- ( كييف ) بخسرانها وإلى الأبد لإقليم ( القرم ) عام 2014 الذي عاد روسيا كما كان في عمق التاريخ المعاصر منذ عهد الإمبراطورة كاترين الثانية عام 1877 1878 في الحرب الروسية – التركية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وتم سحب إعتراف الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1954 بالقرم ضمن السيادة الأوكرانية، وبعد ذلك لإقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) عام 2022 بعد إستقلالهما عن السيادة الأوكرانية وإلى الأبد أيضًا .
لم تستفد ( كييف ) من إغراءات الغرب الأمريكي، ومن التغرير بها، وتضخيم دورها عبر محاولة إنتاج (قنبلة نووية) بمحاذات روسيا بهدف تهديد أمنها وسيادتها، ولم تفلح جهودها بالإنضمام لحلف ( الناتو ) المعادي لروسيا، لتحقيق هدف تحرير (القرم ) و( الدونباس ولوغانسك ) ليس من أجل سواد عيون غرب أوكرانيا وسيادتها، وإنما لأهداف ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح . ومن لم يقتنع بعد من أن روسيا انتصرت في حربها أو عمليتها العسكرية في شرق أوكرانيا، والتي جاءت بدعوة من الإقليمين المستقلين، وللوقوف إلى جانب سكانهما الروس والأوكران الناطقين بالروسية والموالين لروسيا بعد تعرضهما لمظلمة ولجريمة حرب تسببت في مقتل أكثر من 14 ألفًا من بينهم الأطفال، وتشريد مليون غيرهم إلى داخل روسيا، ولجوء آخرين إلى الملاجيء، وبناءً عليه لم تكن الحرب العملية العسكرية نزهة في أوكرانيا وإنما خطوة إجبارية دفاعية إستباقية تحريرية هامة وضرورية وفي قتها إن لم تكن متأخرة، وكان من الممكن أن تبدأ عام 2014، وتحقق لها إكتشاف وجود(30) مركزًا بيولوجيًا ضارًا تم تمويلهم مباشرة من أمريكا وتحت إشراف إبن الرئيس جو بايدن – هانتر، وإكتشاف الجانب الروسي بأن فايروس جدري القردة صناعة أمريكية أيضًا . وتوجهت العملية العسكرية الروسية مرتكزة على المادة 7 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تخول الدولة مثل روسيا المعتدى عليها الدفاع عن نفسها .
لكل من يشكك في القدرات العسكرية الروسية، وبقدرتها على تحقيق نصر أكيد في الدونباس بعد لوغانسك، وبعد تحرير مصنع ( أزوف ستال )، ومطاردة فصائل ( أزوف وبنديرا ) المتطرفة وتصفية وجودها من وسط شرق أوكرانيا، وبعد معاملة الأسرى العسكريين الأوكران معاملة حسنة، وبعد إجتثاث النازية الجديدة في الشرق الأوكراني المهددة لأمن السكان هناك سواء الأوكران منهم أو الروس، والتخلص من أكثر من 3000 موقعًا أوكرانيا وأمريكيًا عسكريًا معاديًا، أقول لهم أعطوني دليلاً واحدًا بأن قوات غرب أوكرانيا أو السلاح الغربي الأمريكي، وتمويلهم تمكنوا من إجتياح حدود غرب أوكرانيا بإتجاه شرق أوكرانيا حيث الدونباس ولوغانسك، وبطبيعة الحال ماعدا قصف سكان مدينة ( دانيتسك ) والقرى المجاورة، وليس الجيش الروسي المحصن عالي المهنية لدرجة الإحتراف، وها هو السلاح الغربي يباع في أفريقيا، وما يضخ من أموال طائلة من جانب الغرب لا يكفي لمعالجة فقر وبطالة سكان أوكرانيا البالغ تعدادهم أكثر من 44 مليونًا، ويعانون من التضخم المالي، وعملتهم الوطنية بالمقارنة بعملات العالم في الحضيض. وشريحة واسعة من السكان الأوكران غادروا أوكرانيا.
الرئيس زيلينسكي الذي قاد بلاده الهامة أوكرانيا والغنية بالزراعة والأسماك والمصادر الطبيعية اتجاه أن تتقسم، وصوب الدمار، يصعب عليه الآن ومستقبلاً إعادة الأقاليم الثلاثة ( القرم والدونباس ولوغانسك ) اللواتي إنسلخن عن جسم الدولة الأوكرانية طوعًا وعبر إستفتاءات شعبية أولاً، وبنسبة مئوية وصلت في منطقة ( القرم ) لوحدها إلى 95%، ومن الممكن إعتبار أن العملية العسكرية الروسية شارفت على الإنتهاء، وبأنها حققت نسبة مرتفعة من أهدافها، ومن المستحيل قبول توجه القيادتين الأوكرانية غربًا والغرب الأمريكي والبريطاني صوب تحقيق نصر سرابي على روسيا التي لا ولن تقبل بأقل من النصر الأكيد حماية لأهلهم في الدونباس ولوغانسك، وجلهم من الأوكران والروس الواجب على ( كييف ) العاصمة أن تحميهم أولاً وحتى قبل روسيا، وفي المقابل لا سلام حقيقي بعيد المدى يمكن تحقيقه داخل الدولة الأوكرانية غربًا وشرقًا، ومع روسيا، وبين روسيا الإتحادية والغرب الأمريكي من دون العودة إلى طاولة الحوار بعد توقيف ضخ الأسلحة والأموال الغربية غير النافعة، وعندها سيصل الروس إلى النقطة الأخيرة التي ستسدل الستارة عن الحرب وتصبح عملاً إجباريًا من الماضي .
ولعل أكبر خطوة اتجاه تغيير مسار العالم في زمن الحرب العملية هي ما أدلى بها الرئيس بوتين في مؤتمر( سانت بيتر بورغ ) الإقتصادي بتاريخ 15 إلى 18 حزيران الجاري عبر تصريحه الناري بأن أحادية القطبية إنتهت، وبأن أمريكا تسرق الشعوب، وبأن الإتحاد الأوروبي فاقد للسيادة، وهو أقوى تصريح لبوتين منذ مؤتمر ( ميونخ) عام 2007 ، والمعنى بعيد المدى للزعيم الروسي بوتين هو بأن الغرب لم يعد يفهم غير العين الحمراء، ولغة الند للند، وقوة النار مقابل قوة مثلها، ولن تسمح روسيا أبد لحلف ( الناتو) المعادي لها بالتوسع تجاهها بقصد محاصرتها، وهي الدولة العظمى التي رغبت سابقًا عام 2000 في زمن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون دخول ( الناتو) لكي تصبح صديقة له، ولتدفن وإلى الأبد الحرب الباردة التي إنطلقت نهاية الحرب الثانية العالمية عام 1945 وسباق التسلح المرهق لشعوب العالم، رغم أن أمريكا وبريطانيا حاربتا وقتها إلى جانب الخندق السوفيتي بقيادة روسيا، وأسسوا معًا الأمم المتحدة راعية القانون الدولي إلى جانب مجلس الأمن الموقر . والجديد في الموضوع أعلاه هو أن بلدية موسكو قررت تغيير اسم شارع السفارة الأمريكية لديها ليصبح (ساحة جمهورية دونييتسك الشعبية)، وتم التصويت على الإسم الجديد بمشاركة 278 ألفا من سكان العاصمة و684 مواطنًا بحسب بيان البلدية، وهي خطوة من خطوات روسيا للتصدي للحرب الباردة الغربية بقيادة امريكا.