احتفل العالم وبمشاركة المملكة الأردنية الهاشمية بذكرى مرور خمسين عاما على انطلاق اعلان ستوكهولم الذي تم تبنيه في 16 حزيران 1972 من قبل مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية كأول وثيقة تعترف بالترابط بين التنمية والفقر والبيئة وبذات الوقت يعتبر هذا المؤتمر الدولي البداية الحقيقية للقانون البيئي الدولي لمواجهة الأخطار التي تواجه البيئة البشرية، وأقيم بهده المناسبة مؤتمر (ستوكهولم 50+) في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث ترأس الوفد الأردني معالي الدكتور معاوية الردايدة مندوبًا عن جلالة الملك عبدالله الثاني، والذي افتتحه ملك مملكة السويد، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمناقشة اهم التحديات التي تواجه كوكب الأرض.
حيث قدم الأردن تقرير وطني يتضمن الانجازات على قطاع البيئة تضمن التقرير ثلاثة محاور: (الفني، القانوني ، والاطار المؤسسي) والذي جاء بعد مجموعة الجلسات التشاورية والتي أقيمت بتنظيم من وزارة البيئة وبالشراكة مع UNDP-JORDAN، وبمشاركة القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لإدراجها توصياتهم حول الأولويات الوطنية، والقطاعية المعززة لمفاهيم التغير المناخي، والحلول المستدامة المبنية على الحلول البيئية في التقرير الأردني (ستوكهولم +50).
ان الأردن اتخذ العديد من الخطوات وقدم العديد من الإنجازات التي تضمنت منذ مؤتمر ستوكهولم عام 1972 على المستويات المؤسسية والقانونية والفنية والتطور المؤسسي بأنشاء وزارة البيئة، من خلال تعزيز التكامل والشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والشركاء من المنظمات الدولية والدول المانحة لحماية البيئة بموجب ،ومن الجدير بالذكر ان المملكة الأردنية الهاشمية صادقت على معظم المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة ويلتزم بمتطلباتها مثل روتردام وبازل والتنوع البيولوجي واتفاق باريس للمناخ وتعتبر وزارة البيئة هي نقطة الاتصال الوطنية لهذه الاتفاقيات وتقدم التقارير الدورية لها، إضافة الى انه تم اصدار العديد من التشريعات البيئية والتي كان اخرها القانون القانون الإطاري لإدارة النفايات لسنة 2020 والذي يعتبر خطوة هامة في منظومة التشريعات البيئية.
ولكن للأسف وبعد مرور اقل من فترة بسيطة من هذه المشاركة الهامة في مؤتمر (ستوكهولم +50) التي تم فيها تقديم التقرير الوطني عن الإنجازات البيئية والطلب من الجهات المانحة تقديم الدعم لقطاع البيئة كون الأردن تضرر من التغيرات المناخية، تصدر تسريبات عن لجنة تحديث القطاع العام بأنه سيتم دمج وزارة البيئة وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر هذه التصريحات او فكرة الدمج او الإلغاء، حيث انه مع كل تشكيل حكومة يتم هذا الطرح بإلغاء وزارة البيئة كأول خيار، وكذلك في معظم تشكيل الحكومات او عند اجراء أي تعديل على الحكومة يتم تعيين وزير جديد للوزارة، لماذا لا نعرف وكان البيئة ما زالت ترف وليست من التحديات التي تواجه العالم.
فأننا نشيد بالدعم الملكي بقطاع البيئة المتواصل من عهد جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه والتي استمرت بدعم متواصل من الملك المعزز جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه حيث إن منظومة العمل البيئي لم تغب عن فكر جلالته حفظه الله ورعاه حيث ان الرؤى الملكية السامية ما هي إلا البداية لإطلاق نظام عمل بيئي وطني يأخذ في الحسبان كلُاً من الوطنية والعالمية يرتقي إلى حجم التطورات والمتغيرات، متمثلة في إنشاء وزارة البيئة، بموجب قانون حماية البيئة المؤقت رقم 1 لعام 2003، كمظلة تنظيمية ورقابية رسمية تُعنَى بكل ما يتعلق بشؤون البيئة، ووفق رؤية وطنية. والمهمة الموضوعة في عين الاعتبار، حماية البيئة ومكوناتها المختلفة، مؤسسة مستقلة ماليًا وإداريًا، والجهة الرسمية المسؤولة عن حماية البيئة في المملكة، كما ان قضايا البيئة والمناخ تتصدر لقاءات جلالة الملك مع قادة الدول والمنظمات الدولية والتي كان اخرها مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حيث تضمن اللقاء تنسيق الجهود والعمل بشكل تكاملي لمواجهة التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والبيئة والتغير المناخي، وأيضا لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس حيث تم بحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية والمشاريع التنموية والأخرى المتعلقة بقطاع البيئة ومعالجة التغير المناخي وأثره على الموارد الطبيعية، وأيضا لقاء جلالته مع مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المناخ جون كيري حيث تم بحث سبل توسيع التعاون بين البلدين في التصدي لأثر ظاهرة التغير المناخي، وكان لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم – حفظه الله ورعاه كلمات مضيئة ومشاركات في عدة محافل بيئية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم في خطابه في الجلسة العامة للاجتماع الرابع والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة -نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية 2019/9/24 حيث قال جلالته:- "كيف سيبدو عالمنا إن لم نعمل معًا من أجل بيئة صحية وآمنة؟ فالبلدان التي تعاني من شح المياه كالأردن تدرك مخاطر التغير المناخي. إن أزمة عالمية كهذه تتطلب تكاتفًا دوليًا. فكيف يمكننا أن نبرر التأخر في التعامل مع هذه الأزمة؟"
لقد كتبت سابقا عند تكليف دولة بشر الخصاونة بتشكيل حكومة جديدة بضرورة الاهتمام بوزارة البيئة المرجع الوطني الرسمي المختص في المجال البيئي والمحافظة ابقاء الوزارة مستقلة وعدم التفكير بدمجها بل لابد من تعزيز دورها من خلال توحيد الجهود بتشكيل مجلس اعلى للبيئة ليتم التنسيق مع جميع القطاعات العاملة بالبيئة ومنح وزارة البيئة كل المتطلبات واعطائها المزيد من الدعم المادي والمعنوي لضمان القيام بالمهام التي حددها قانون البيئة، لتمكينها من القيام المهام الكبيرة التي يتوجب القيام بها والتي من ابرزها تحسين وصون نوعية البيئة الأردنية والمحافظة على الموارد الطبيعية والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة من خلال إعداد وتطوير سياسات وتشريعات واستراتيجيات وبرامج مراقبة قابلة للتنفيذ وإدخال المفاهيم البيئية في خطط التنمية الوطنية، ومع ضرورة اعادة النظر في منظومة التشريعات البيئة واخراج قانون حماية الطبيعة من الأدراج والسير بإجراءات الدستورية لإقراره.
واخير نؤكد على ان وجود مجلس اعلي للبيئة و التغير المناخي ينسق السياسات ما بين جميع القطاعات (البيئة ، المياه، الزراعة، الطاقة.....) لتحقيق اهداف التنمية المستدامة والسير نحو الاقتصاد الأخضر وفق رؤية التحديث الاقتصادي التي تعتبر خارطة طريق للسنوات المقبلة، تضمن إطلاق الإمكانات وتنفيذ المبادرات التي سوف تطلق ضمن رؤية التحديث الاقتصادي من خلال وزارة البيئة، لتحقيق النمو الشامل المستدام، مع التأكيد على ضرورة دعم وزارة البيئة بالكادر الكفاءات الفنية والمالية حيث لا يعقل ان تكون مخصصات وزارة البيئة من الموازنة العامة لا تتجاوز ستة ونص مليون دينار، باعتقادي ان وجود مجلس للبيئة سوف يعزز دور وزارة البيئة لتكون الذراع التنفيذي للمجلس المقترح ، المقترح المقدم الى اللجنة ودولة الرئيس فقط تعديل اسم الوزارة لتصبح وزارة البيئة والتغير المناخي، والبدء في اعداد مشروع لأنشاء مجلس اعلى للبيئة والتغير المناخي.
أخير نؤكد على ما جاء في مؤتمر ستوكهولم +50 :
(الحق في بيئة نظيفة ومأمونة وآمنة هو من حق حقوق الإنسان )
(يجب علينا أن ندرك أننا كبشر لا يمكن أن نعيش ما لم يكن لدينا كوكب سليم)
* خبير في التشريعات البيئية
رئيس جمعية استشرف المستقبل للحقوق البيئية والعدالة المناخية