فضفضة واعتذار / 2
اللواء المتقاعد مروان العمد
21-06-2022 02:21 PM
سيدي صاحب الجلالة الملك المعظم
سوف اتابع اليوم احاديث الفضفضة التي بدأت بها في الحلقة الماضية، والتي عبرت فيها عن مدى حبي وخوفي على الاردن، مما جرى ويجري فيه وحوله من احداث جسام، ولأوكد ولائي وانتمائي ، لرأس هذا النظام جلالتكم . و انني لم اكن يوما من ركاب سفينة المعارضة ، التي تدر اللبن والعسل على ممتهنيها . و لخوفي من ان يدفع الاردن والنظام ثمن احداث تجري خارجه و داخلة ، لن تتوقف الا بالقضاء على استقرار وامن آخر بلاد الامن والامان في عالمنا العربي . ولذا فأنني سوف اوجه خطابي لكم يا صاحب الجلالة الملك ، ومن وحي تجربتي قبل ان تذروها الرياح او يعلوها التراب .
ولتعذرني سيدي ومولاي بأن اتحدث اليوم معكم واليكم مباشرة وبهذه اللغة والطريقة ، لانقل لكم مشاعر ومعاناة شعبكم كما هي على حقيقتها وبكل صراحة ووضوح، لا كما ينقلها اليكم بعض المحيطين بكم . وان ابرئ ذمتي من كل عذاب ضمير، بعد ان اشرفت على السابعة والسبعين من العمر امضيت معظمها في خدمة المغفور له ان شاء الله والدكم وفي وخدمتكم اطال الله في عمركم. وفي خدمة الوطن في جهاز المخابرات الاردنية ولاكثر من اثنان وثلاثين عاماً، ولغاية عام 2005، حيث احلت على التقاعد برتبة لواء، وعينت مديراً عاماً لدائرة الاحوال المدنية والجوازات ولمدة عشرة اشهر فقط. احلت بعدها على التقاعد من جديد رغم النجاح الكبير الذي حققته خلال هذه الفترة القصيرة في عملي هذا، والتي يشهد عليها كل العاملين في هذه الدائرة بمن فيهم من لم التقي بهم، او الذين عينوا بها بعد تقاعدي منها. والتي يشهد عليها جميع من راجع الدائرة خلال هذه المدة القصيرة من الزمن. ويبدوا انني باحالتي على التقاعد قد دفعت ثمن هذا النجاح ، وثمن مقارنة انجاز الآخرين بما انجزته انا. و تبقى قصة احالتي على التقاعد يطول شرحها، وليس هذا موضعها.
بعد ذلك لم يعد في مطمحي ان احصل على منصب اوجاه، وخاصة بعد ان اصبحت على بعد امتار قليلية اما عن عجزي او قبري. الا انني جندت نفسي للدفاع عنكم وعن الوطن، والرد على مؤامرات واكاذيب اعدائه، من خلال المقالات التي اكتبها، او من خلال التصدي لكل من يكيد للوطن على وسائل التواصل الاجتماعي، دون انتظار تكريم لم احصل عليه، رغم مرور سبعة عشر عاماً على احالتي على التقاعد. بل ان الحرب علي امتدت لتشمل اولادي واللذين لم امتعهم يوما بخيرات وظيفتي، ولم يتم تعيينهم في الوظائف او ابتعاثهم في بعثات، بل قاموا بكل شيئ بجهودهم الخاصة، وليتم تعيين الفاسدين مكانهم والمعارضين والحاقدين على الوطن، وربما لكي لا يبقى في الاردن مكاناً للمخلصين، والناجحين في اعمالهم.
ولتسمح لي يا سيدي ان يكون كلامي صريحاً وصادقاً بقدر حبي واخلاصي لكم، وانني سوف اقول ما لدي مهما كان الثمن الذي علي ان ادفعه. فبعد ان امضيت حياتي مٌحارباً من قبل مجموعات الفساد الخارجي والداخلي لم اعد ابالي بشيئ. وبعد ان صدرت بحقي العديد من احكام القتل والتصفية من معارضات الخارج، وانهم سوف يرسلون عناصرهم للاردن لتنفيذ هذه الاحكام بحقي، والتي رددت عليها متهكماً بأن طلبت منهم ان يبلغوني موعد وصولهم، لاكون في انتظارهم في المطار لتنفيذ قرار حكمهم هذا، دون ان اكلفهم عناء البحث عن عنواني، وكانت تهمتهم لي دائماً بأني سحيج، واني ادافع عن جلالتكم وجلالة الملكة والوطن. وكان ردي عليهم بأنني افخر بأن اكون سحيجاً للوطن ولجلالتكم، من ان اكون معارضاً عدمياً.
سيدي جلالة الملك. بالرغم من اهتماماتي السياسية منذ نعومة اظفاري، الا انني لم اكن اهتم باسماء من يشغلون المناصب الوزارية والسيادية، ولم اكن من مناصري تغيير الوزرات، لأنني كنت اعلم ان ظروف الاردن الاقتصادية والمالية والسياسة صعبة جداً، وان الثبات في تشكيلة الحكومات يزيدها خبرة ومقدرة على التغلب على هذه الصعوبات. ولكن ما حدث خلال السنوات الماضية هو كثرة التعديلات والتغييرات الوزارية بشكل ملفت للنظر. حتى ان الوزير وقبل ان يحفظ اسماء موظفي مكتبه، كان يتم تغييره، وقبل ان يكسب اي خبرة من عمله، وخاصة ان تعيينه في وزارته لم يكن يعتمد على مقدار خبرته وكفاءته لمنصبه، ولكن على وضعه الاجتماعي والمناطقي والعشائري. وعلى العلاقة الشخصية التي تربطه بدولة الرئيس، او من لهم تأثير على دولة الرئيس. مما كان يجعل الفشل مصير هذه الحكومات وعدم مقدرتها على تحقيق برنامجها السياسي، والذي تكونون جلالتكم قد تكرمتم بوضعه لهم من اليوم الاول لتشكيل الوزارة، لانهم لا يملكون اي برنامج عمل ولا سياسات. مما كان يدفع جلالتكم لحل هذه الحكومات وتشكيل غيرها عند عدم تنفيذها. ولكن للاسف كنا نجد ان الذين يتم تعيينهم هم من نفس الاسماء التي اقيلت لفشلها في القيام بعملها، وان التغيير فقط ينصب على المسمى الوزاري فقط. لا بل ان بعضهم لم يعرف مسماه الوزاري الا لحظة ادائه القسم القانوني امام جلالتكم. فكيف لوزير فشل في مكان ما، ان ينجح بمكان آخر؟. وسمعت قصة لا ادري مدى صحتها بأن احد الرؤساء المكلفين كان يجلس في مكتبه يراجع التشكيلة المقترحة، عندما دخل عليه مدير مكتبه وسأله فيما اذا اكتملت التشكيلة، فأخبره بأنه لا يزال هناك منصبا فارغاً، فطلب منه ان يعينه فيه، فرد عليه ابشر وتم اضافة اسمه للقائمة الوزارية.
ومن خلال عملي ومسؤولياتي التي توليتها، تعرفت على وزراء ومسؤولين غير مؤهلين للقيام بعملهم رغم الشهادات العليا التي يحملونها. واعرف احد المسؤولين استلم الوزارات وعضوية مجلسي النواب والاعيان سبعة عشر مرة. فاذا كان ناجحاً في عمله لماذا كان يتم تغييره؟، واذا كان غير ناجح لماذا كان يتم اعادة تعيينه؟
وفي غمرة انشغال جلالتكم بالعمل السياسي والدفاع عن القضايا العربية والاردنية والفلسطينية، انسل الى مواقع المسؤولية الوزارية اشخاص ثبت انهم غير اكفياء. وللتغطية على عدم كفاءتهم فقد كانوا يحيطون انفسهم باشخاص اقل كفاءة منهم، ويعملون على التخلص من اصحاب الاختصاص والخبرة. كما اخترق هذه التشكيلات اشخاص ممن امتهنوا المعارضة العدمية، والتي اصبحت وسيلة اسكات اصواتهم هي تعيينهم بالمناصب العليا. حتى اصبح هذا عرفاً متداولاً عندنا، وانه ولكي يصبح الشخص وزيرا ومسؤولاً، فانه يجب ان يركب مركب المعارضة، وينشط بالهجوم على الحكومات، وان يشارك في الوقفات الاحتجاجية، وان يرفع الشعارات ويحمل اللافتات التي تعارض سياسات النظام. ومن المفضل ان يحصل على ضربة على الرأس او الكتف خلالها. ومن بعدها سيجد نفسه مسؤولاً او وزيراً، وتتغير بعدها كل اقواله ومواقفه وخطبه. وما عليه الا ان صبح معارضاً قبل ذلك. وان من يريد ان يستلم سلطة ما ، فما عليه الا ان يهاجم هذه السلطة والوطن والشعب ايضاً. وسوف نجد ان اول انجازات هذا المسؤول الذي هبط على وظيفته بالبرشوت، هي التخلص من كل اصحاب المؤهلات والتخصصات في مكان تعيينه، كي لا يظهر ضعفه وعجزه على العلن، ولكي لا تبقى هذه الخبرات خطراً على استمرار وجوده وتكشف فشله، حتى لو كانوا من اصحاب الولاء والانتماء الحقيقي غير مدفوع الاجر. وهكذا اصبحت هذه التصرفات سلم يصعد عليه الفاسدون ليوصلهم للتعيينات والترفيعات لهم ولابنائهم من بعدهم. الامر الذي مع الاسف اصبح يدفع بعض اصحاب الولاء والانتماء لسلوك هذه الوسيلة للحصول على حصتهم من المناصب والعطايا والتكريم . فيما اصبح اصحاب الولاء الحقيقي محرومين من كل تعيين وتكريم هم وابناؤهم باعتبارهم اصحاب الولاء المجاني والمضمون.
لهذا سيدي ظهر لدينا المسؤولين المرتجفين، العاجزين عن القيام بواجبات وظيفتهم. ولهذا ظهرت التصريحات والقرارات المتناقضة من قبل بعضهم. فلماذا تصدر تصريحات عن عدد منهم عن النية لتحصيل اجور على استخدام الطرق الرئيسية والدائرية، وتأكيد هذه التصريحات عدة مرات، في وقت بلغت القلوب الحناجر، نتيجة ارتفاع اسعار الوقود والكهرباء والمواد التموينية والغذائية وكل شيئ، والتي اصبح المواطن عاجزاً عن توفير حدها الادنى. ثم وبعد الضجة التي اثيرت حول هذا الامر، خرج علينا نفس المسؤولين ليتراجعوا عما قالوه ورددوه عدة مرات، وهم يشرحونه على الخرائط والمجسمات. وليقولوا ان هذا مشروع قديم ومنذ سنوات طويلة ومقدم من شركة اجنبية. ويحتاج قبل تنفيذه الى دراسات وموافقات قد تمتد الى اكثر من عشر سنوات وبعد توفير المخصصات اللازمة لذلك. اذن ما المقصود من الاعلان عن ذلك الآن وفي هذه الظروف؟. اليس الهدف منه اثارة الشعب على النظام في هذا الوقت الذي لم يعد الشعب يتحمل المزيد؟ او ان ذلك المشروع كان لخدمة مصالح واهداف معينة تم التراجع عنها بعد الضجة التي اثارها. ثم لماذا يخرج علينا وزير المياه في هذه الايام ليبشرنا بجفاف السدود في الاردن، وعدم كفاية المياه لحاجاتنا، وعن احتمال ارتفاع اسعار المياه في العام القادم. ونحن وفي كل يوم نسمع عن اعتداءات وبكميات كبيرة على خطوط المياه الرئيسية، واستغلالها وبيعها، وفي نفس الوقت لا نسمع عن اي حماية على تلك الخطوط بحجة امتدادها لمسافات طويلة، وصعوبة مراقبتها، في حين ان من يفعلون ذلك معروفين ويكررون فعلتهم من نفس الاماكن دائماً، وانهم من اصحاب الحظوة والنفوذ. ولماذا تم تفريغ السدود في نهاية شتاء العام الماضي، بحجة توقع قدوم امطار لم تهطل، وفي مخالفة لتوصيات آخرين بعدم تفريغها، ودون اي محاسبة لمن اتخذ هذه القرارات غير المدروسة. وليتكرر هذا الامر في هذا العام، وليتم الاعلان عن جفاف عدد من السدود وان امامنا صيفاً صعباً، بالرغم من ان موسم المطر في هذا العام اعتدى ولمدة طويلة على فصل الربيع وحتى على فصل الصيف في امطاره، لدرجة ظننا انه سيتواصل مع فصل امطار العام القادم. هل المقصود من تفريغ سدودنا ان نقوم بشراء مياهنا المنهوبة لثلاث سنوات قادمات، وبمعدل خمسين مليون متر مكعب سنوياً؟ والتي قد تكون اقل من المياه التي تم تهريبها من احد سدودنا؟. ام انهم كانوا بذلك يسعون الى ارغام الشعب على تقبل المياه المحلاة من الطرف الآخر، مقابل الطاقة الشمسية من صحارينا الذي تم توقيع اتفاق نوايا على تنفيذه في هذا العام؟ ام انهم ومن خلال تكرار الشكوى من شح المياه، مع الرفض الشعبي لشرائها من الطرف الآخر، يمهدون لزيادة تقنين المياه علينا وزيادة اسعارها
وقبل ان انهي فضفضاتي لهذا اليوم، لا يسعني الا ان اتقدم باجمل التهاني والتبريك لدولة السيد عبدالله النسور والذي يبلغ من العمر 83 عاماً. ولدولة السيد عبد السلام المجالي والذي يبلغ من العمر 97 عاماً على تعينهما كرئيسا لمجلسي امناء جامعة الزيتونة وجامعة العقبة للتكنولوجيا مع مطلع المؤية الثانية للدولة الاردنية. متمنياً لهما المناصب الارفع والاعلى خلال المؤية الثانية، مثلما كانت لهما خلال المؤية الاولى، مقرونة بتقديري واحترامي الشديد لشخصيهما والخدمات التي قدماها للاردن ولا يزالان. وعاش الاردن نظاماً وشعباً ووطنا ، وحفظه الله