قراءة في دستورية فرض الرسوم على مستخدمي الطرق
د. مهند صالح الطراونة
21-06-2022 12:55 PM
بات من الواضح ان الحكومة تعقد العزم على إصدار نظام تفرض من خلاله رسوما على مستخدمي الطرق، يأتي ذلك ضمن خطة الحكومة بإطلاق مشروع يهدف إلى رفع جودة الطرق الرئيسة في الأردن مع دراسة البنك الدولي تمويل مشروع مقترح من الحكومة لذات الهدف، وبعيدا عن الخوض في الجانب الموضوعي لفكرة المشروع، ومدى ملائمتها من الناحية الاقتصادية وجاهزيتها الفنية وآلية تطبيقها على ارض الواقع سوف أكتفي بالحديث عن الجانب الدستوري والقانوني في حال دخل مشروع النظام حيز الإصدار والتنفيذ.
ولإبداء الرأي القانوني بشأن فكرة إصدار النظام، نعرض النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة به، ثم نتبع ذلك بالرأي القانوني، وذلك كما يلي:
في النصوص الدستورية والقانونية
- تنص المادة (6) من الدستور على أن: “الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو في اللغة أو الدين "،وتنص المادة (111) من الدستور على أن: "لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ولا تدخل فـي بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد او مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة أن تأخذ فـي فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفـين على الاداء وحاجة الدولة الى المال" وتنص المادة (115) من الدستور على أن:" جميع ما يقبض من الضرائب وغيرها من واردات الدولة يجب أن يؤدى الى الخزانة المالية وان يدخل ضمن موازنة الدولة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ولا يخصص اي جزء من اموال الخزانة العامة ولا ينفق لأي غرض مهما كان نوعه الا بقانون"، وتنص المادة (117) من الدستور على أن:" كل امتياز يعطى لمنح اي حق يتعلق باستثمار المناجم او المعادن او المرافق العامة يجب ان يصدق عليه بقانون." وتنص المادة (29) من قانون الطرق رقم (24) لسنة 1986 على أن: "يجوز فرض بدل خدمات مرور على أي طريق تقيد حصيلته امانة لدى وزارة المالية لحساب صيانة وتحسين الطرق في المملكة ويتم الانفاق منها بقرارات من مجلس الوزراء وفق الخطة او الخطط التي يضعها لهذه الغاية وتحدد طريقة فرض هذا البدل ومقداره واجراءات تحصيله وحالات الاعفاء منه بموجب نظام يصدر بمقتضى هذا القانون."
التبرير الحكومي لفرض نظام الرسوم
إنه من خلال الإطلاع على فكرة النظام، واضح أنه يهدف إلى تضمين مستخدمي الطرق العامة رسوم محددة على أساس وحدة الكيلومتر الواحد لقاء استخدامهم هذه الطرق، ولقد سوغت الحكومة اقتراحها بأن مسألة فرض الرسوم على الطرق جاءت متوافقة مع نص المادة (29) من قانون الطرق رقم (24) لسنة 1986 والتي أكدت جوازية فرض بدل خدمات مرور على أي طريق تقيد حصيلته امانة لدى وزارة المالية لحساب صيانة وتحسين الطرق في المملكة ويتم الانفاق منها بقرارات من مجلس الوزراء ، وعليه لاشبهة دستورية في إصدار نظام يفرض الرسوم حسب رأي مقدمي المشروع.
وفي الحقيقة إن هذا الأمر مردود عليه إنه لعدة أسباب أهمها إن السياسة التشريعية في كل دول العام تتجه إلى التخفيف من نظام فرض الرسوم على منتفعي المرافق العامة وتركز على توسيع مجانية الانتفاع بهذه المرافق، وتجدر الإشارة ابتداءً إلى أن الرسم يعتبر من مصادر الإيرادات العامة الدورية في الدولة، وهو من الإيرادات المنتظمة التي تدخل في خزانة الدولة وتسهم في تمويل نفقاتها العامة، إلى جانب مساهمته في تنظيم الخدمات والحد من الإستغلال. غير أنه قد تضاءلت أهمية الرسم كإيراد في الوقت الحالي لعدة أسباب منها، استقرار حق الشعب ممثلاً في هيئاته البرلمانية في الموافقة على فرض الرسم شأنه في ذلك شأن الضرائب خلافاً لما كان عليه الحال في الماضي إذ لم يكن يتطلب إقراراً من السلطة التشريعية، ما أدى إلى تقليل اعتماد الدول على الرسوم حيث أدى ذلك إلى سلب الرسم ما كان له من ميزة في سهولة الالتجاء إليه بدلاً من الضريبة، حيث لا ضريبة ولا رسم إلاّ بقانون، كما أدى التطور إلى تغير مفهوم الدولة بحيث أصبحت تنظيماً علوياً يعمل باسم التضامن الاجتماعي لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع، فالدولة وبالاستناد لمبدأ التضامن الاجتماعي أصبحت مسؤولة عن إشباع الحاجات العامة في مختلف المجالات دون اشتراط اقتران ذلك بفرض الرسم على خدماتها حيث يتم تمويل الخدمات من خلال الاعتمادات التي تخصص لكل مرفق من مرافق الدولة في موازنتها العامة.
كما أن من الأسباب المهمة التي أدت إلى تراجع أهمية الرسم كمصدر لإيرادات الدول، ما تجلى من فساد الأسلوب الذي كان يتبع والمتمثل بالسماح للموظفين القائمين على تقديم الخدمة العامة بتحصيل الرسوم لحسابهم مقابل تلك الخدمة كأجر لهم، حيث اتضح اهتمامهم بتحصيل أكبر قدر من الرسوم على حساب نوع الخدمة، الأمر الذي يتعارض مع فكرة المرفق العام، علاوة على أن الرسم وفقاً لطبيعته الفنية لا يسمح بتطبيق مبدأ العدالة من خلال مراعاة مبدأ القدرة على الدفع، ومن ثم فهو لا يسمح بمراعاة الظروف الخاصة بالأفراد. ويمكن القول تبعاً لذلك، أن هذه الاعتبارات أدت إلى تناقص أهمية الرسوم في الدولة الحديثة واتجاه الكثير من الدول إلى إلغائها أو إلى تحويل بعضها إلى ضرائب.
وتجدر الإشارة أيضا إن معظم الدساتير في العالم تُعنى بوضع الأساس الدستوري العام لفرض الرسوم أو الإعفاء منها أو تعديلها، ومنها الدستور الأردني حيث ورد ذلك صراحة في المادة ( 111) متقدمة الذكر ، بحيث تكون هي الأساس و الضابط الذي يحكم أيّة قواعد قانونية يتم وضعها بموجب أيّ تشريعات أدنى من الدستور )القوانين والأنظمة والتعليمات (،ولا يجوز بأيّ وجه من الوجوه أن تتضمن هذه التشريعات قواعد قانونية تخالف القواعد الدستورية تسليماً لمبدأ سمو القواعد الدستورية وعلويتها على غيرها من القواعد التشريعية في الدولة، كما يحظر على أيّ جهة القيام بإجراءات من شأنها أن تنتهك القواعد الدستورية والقانونية سواء كان ذلك عند فرض الرسم أو عند الإعفاء منه.
تساؤلات تثيرها المادة 111 من الدستور
هل تعني قاعدة أن الرسم يفرض ويحدد معدله أو نسبته بنص القانون؟، أم يفرض بنص القانون، ويترك تحديد معدله أو نسبته للتشريع الفرعي الأدنى درجة كالنظام أو التعليمات أو القرار؟ وهل تنطبق هذه القاعدة في جميع الأحوال؟ أم أنه يمكن في بعض الحالات المعينة أن يجري فرض الرسوم وتحديد معدلها أو نسبتها بقانون وفي حالات أخرى بنظام أو تعليمات حسب أهمية الرسم وطبيعته؟ وهل ثمة مبادئ يجب أن تعتمد عليها السلطة التنفيذية عند إصدار قراراتها بفرض الرسوم ؟
إن مدلولات هذه القاعدة الدستورية وأبعادها وآثارها العملية تبدت بشكل جلي بتفسير المجلس العالي للدستور عندما طلب تفسير المادة ( 111 ) من الدستور الأردني لسنة 1952 المعدل في عام 2011، التي تنص على أن: (لا تفرض ضريبة او رسم الا بقانون ولا تدخل في بابهما انواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد او مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفة على الاداء وحاجة الدولة الى المال(، من المجلس العالي لتفسير الدستور، بينّ المجلس بقراره المرقم (3) لسنة 1995 في 5/ 6/ 1995 المنشور في الجريدة الرسمية الأردنية بعددها ( 4080 ) المؤرخ في 1/ 11 / 1995 ، « أن مواد الدستور تتطلب أحياناً إما صدور القانون، وأحياناً تكتفي بقولها: ضمن حدود القانون أو وفق أحكام القانون أو في الأحوال المبينة في القانون أو حسبما هو مبين في القانون، وأن هذا التنوع لم يأت عفواً بل جاء مقصوداً، ويترتب على ذلك أنه حينما تتطلب المادة الدستورية «القانون » في الموضوع، إنما يكون المراد بذلك أن تمتنع السلطة التنفيذية عن تنظيم ما يتعلق بهذا الموضوع بنظام، وحين يكتفي الدستور بالإحالة على القانون لبيان ما يتبع في مسألة معينة، فإنه يجيز ضمناً أن يفوض السلطة التنفيذية في إصدار الأنظمة المناسبة في الحدود والشروط التي يعينها، وحيث أن نص المادة ( 111 ) من الدستور واضح الدلالة على أن الضرائب والرسوم لا تفرض إلاّ بقانون، فإنه ينبني على ذلك أنه يمتنع على السلطة التنفيذية فرضها بنظام. إلاّ أنه إذا فرضت الضريبة أو الرسم بموجب قانون، وأنيط بالسلطة التنفيذية حق إصدار الأنظمة اللازمة تنفيذ أحكام القانون، فيجوز لها عندئذٍ إصدار الأنظمة اللازمة لذلك، ويكون النظام الذي يوضع لهذا الغرض تنفيذاً وتطبيقاً لأحكام القانون لا خروجاً على المادة (111) من الدستور التي تنص على أن الضريبة والرسم لا تفرض إلاّ بقانون، وبالتالي يكون هذا النظام غير مخالف لأحكام الدستور ."
ومن ذلك أيضا ما أكدته محكمة العدل العليا ما ورد في مضمون القرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور سالف الذكر، حيث ذهبت في قراراها الصادر في القضية المرقمة 309 / 2995 ( الصادر بتاريخ 1995/12/13 ) المنشور في مجلة نقابة المحامين الأردنية لسنة 1997 ، ص 4256 (، إلى أنه «لا يوجد في قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم ( 79 ) لسنة 1966 ، ولا في نظام الأبنية والتنظيم في مدينة عمان رقم(67) لسنة 1979 ، أو في سواهما ما يجيز لأمانة عمان التصرف بالقيود التنظيمية ولا ما يجيز لها استيفاء رسوم بدل استغلال خدمات الارتدادات ، سواء سمي بدل خدمة أو رسماً أو مسمىً آخر، وعليه فصدور القرارين المطعون فيها من قبل لجنة الاستملاك والأملاك بإلزام المستدعي بدفع رسوم بدل خدمات استغلال الارتدادات يجعلهما صادرين من جهة غير منوط بها إصدارهم قانوناً، ويعيبهما بعيب جسيم ينحدر بهما إلى حد الانعدام لمخالفتهما القانون من جهة، ولأنهما يخالفان أحكام الدستور التي تقضي بعدم فرض الضريبة والرسم إلاّ بقانون كما هو صريح نص المادة ( 111) منه، وتفسيرها في القرار الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (3 ) لسنة 1995 بتاريخ 7/ 6/ 1995.
ويفهم من ذلك كله أن الدستور الاردني أكد على عدم جوازية صدور أي رسوم إلا بقانون إلا أنه لم يغفل بذات الوقت على ضرورة الإلتزام في المبادئ الموضوعية عند فرض الرسم والتي لابد من مراعاتها عند فرض التكاليف العامة بما فيها الرسوم وإلا دخل التشريع في حومة عدم الدستورية ، وتجدر الإشارة أن من المبادئ التي استقرت عليها الدساتير أن التكاليف العامة أساسها العدل وتنمية الاقتصاد الوطني، وأنها واجب والتزام على المواطنين، وأن فرضها لا يكون إلاّ عند الحاجة وعلى أساس الأنصاف، وأنه لابد من مراعاة مصلحة المجتمع وتحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين المواطنين عند فرضها، وهنا نقف عند الظروف الاقتصادية والمالية للمواطن الأردني الذي لا يمكن أن يحتمل فرض مزيد من الضرائب أو الرسوم ، ومن المبادئ التي يجب مراعاتها أيضا أنه لا يمكن حساب الرسوم على نفس أساس حساب الضرائب، وعدم جواز إطالة فترة الاحتجاز للأشخاص بسبب عدم تمكن المتهم من دفع الرسوم القانونية أو لأيّ التزام مالي آخر، بالاستناد إلى المسؤولية المدنية أو أيّ سبب مشابه آخر بأيّ حال من الأحوال. كما تطلبت بعض الدساتير أن يكون فرض الرسوم وتقديرها مبنياً على دراسات مسبقة، وأن يكون هناك ثمة تناسب ما بين الرسم والمنفعة أو الخدمة موضوع الرسم وإمكانية تنفيذ هذه الخدمة على ارض الواقع، ونصّت بعض الدساتير بنحو صريح على أن يكون تحديد نسبة الرسم بموجب تشريع يضعه البرلمان.
وأخيرا فرض الرسوم على الانتفاع بالخدمات العامة ومنها الطرق فيه افتراض ملاءة الأفراد مستخدمي هذه الطرق وإلزامهم بأعباء مالية تزيد على غيرهم من نظرائهم، وهذا يعدو أن يكون تمييزا فيما بينهم على أساس من الثروة "في مجال مباشرتهم للحقوق الأساسية التي كفلها الدستور للمواطنين جميعا على سواء"، لينحل، تمييزا منهيا عنه دستوريا لمخالفته لنص المادة (6) من الدستور على أن: “الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو في اللغة أو الدين.