مسار النحاس لكهف أم العمد
عبدالرحيم العرجان
20-06-2022 10:00 AM
كهف مشرف على وادي عربة، كان منجم لاستخراج النحاس أبان مملكة أجدادنا العرب الانباط وما قبلها من ممالك.
بدأ مسارنا من المطل الشمالي للشوبك "الحزيم" 1538م المواجه لوادي فينان وعربة والأفق البعيد حتى أراضي فلسطين المحتلة وجبال الشراه، وبداية الطرق والمسالك نحو العاصمة النبطية "البتراء" ودرب الأردن المخصص لعشاق المسير والترحال، سالكين طرق ترابية وُجدت لخدمة أصحاب رعاة الماشية وساكنيها، بتفرعات مشابهة بين قباب جبال الشراة وما تركه أجدادنا الأدومين والأنباط من مساطب زراعية تستدل إليها بما تبقى من سلاسل استنادية لمزارع الكرمة حين كان الزبيب والنبيذ من أهم محاصيلهم الزراعية والموجودة لمن جاورهم من ممالك وقصدهم لأجل الرزق والتجارة.
كانت استراحتنا الأولى قرب عين أم الرخم وهي العين الوحيدة بالمكان، أما حولها فستجد كهوف ومغر ومساحاتٍ ومنافذ، وحظائر ماشية، وخصيصاً الماعز الذي يكثر تربيته هناك لصعوبة التضاريس وتحمله العطش بعكس الخراف، وما بين الصخور والسهل كان فيه بعض من الدروب القديمة والجرون الحجرية والعديد من الكوات المنقوبة في الواجهات والجلاميد وتنوع نباتاته البرية بين أشجر العرعر الفنيقي.
وصلنا لمدخل وادي أم الغربان المحاذي لمغارة أم العمد من الجهة الجنوبية، حيث كانت خطتنا أن نسير ونستكشف ما فيه من تنوع فطري وجيولوجي كونه من الأماكن الغير مطروقة لتعدد مقاطعه وضيق مجراه بين الشوامخ وارتفاع حرارته صيفاً، بوادٍ مغلق محاط بالجبال ومجرى سيل وحيد شديد الخطورة شتاءاً، معتمدين على روح الفريق بتجاوز منحدراته المتتالية ومستدلين بمسيرنا بنباهة كشاف الطريق، وحنكة قائد المجموعة مع الأخذ بعين الاعتبار الحذر من مخاطر الطريق او من وجود الأفاعي التي تختبئ بين الصخور، وأكوام الشوك والمصنف متوسط الصعوبة.
وبسبب ارتفاع درجات الحرارة التي لامست الأربعين درجة مئوية، جعلت منه مسار صعباً نوعاً ما، وهو ما يستوجب علينا موازنة كميات شرب المياه والمواظبة عليه كي لا يؤدي إلى جفافٍ أو خلل بالطاقة في جسم الانسان.
وعلى مدى مسارنا بقلب الوادي كان هناك الكثير من خام النحاس ذو اللون التركوازي بين الصخور، وفي الجهة المقابلة واجهتنا جبال كاملة تظهر منها تدرجات الأخضر وتزداد كثافة كلما تعمقنا أكثر، أما السير عليها وانعكاس حرارتها الذي يزيد من درجات الصعوبة حتى وصلنا بعد عددة استراحات إلى النقطة التي منها سوف نبدأ بصعود الجبل نحو كهف أم العمد 910م من مستوى 680م، والذي أصبح موقعه محاذي لمشروع شق طريق يربط ما بين الشوبك ووادي عربة، وهذه المرحلة لم تكن بالأمر السهل ففي وقت الظهيرة كان الصعود على حجارة هشة، قد تنزلق على حين غرة.
وبعد هذا الجهد الكبير، بلغنا غايتنا ألا وهي كهف أم العمد، وهو كهف تاريخيّ كان منجم نحاس نبطي، وأدومي متعدد المداخل ومن أوسع المناجم وأكبرها في المنطقة، والتي مازالت خطوط الأزاميل والمعاول تملىء المكان وكأن عامليه غادروه بالأمس، حيث لاحظنا وجود خام ممزوج بالملاكاي والذكاء الهندسي بكيفية شق الممرات وترك أعمدة صلبة الصخر قوسية القاعدة متشابكة كالقناطر لتوزيع حمل الجبل عليها كي لا ينهار وهذه التقنية ما زالت تستخدم في كثير من مناجم التعدين الحديثة، دهاليز وكهوف وتفرعات كثيرة اتخذت الخفافيش مكامن لها بين الشقوق كانت تتطاير فجأة عند سماع خطواتنا والتي كانت تثير غبار المكان المهجور منذ مئات السنين، فكان لأجدادنا شان كبير بهذه الصناعة بعصرهم حين كان يصدر لمصر وقبرص وروما وأرض الرافدين وعرف بجودته ونقائه.
وللغروب حكاية أخرى وهو ينسدل بين الشوامخ متابعيه من مطل الصفاحة وهي إحدى نقاط مرور درب الأردن بمغاريب الشوبك، بعد أن أوصلنا صديقنا وهو من العاملين علية لتقديم الدعم اللوجستي ولإيواء كونه من أبناء المكان والعارفين بخبايا، متممين بذلك مسير 17كم بسلام وترسمه بتقنيات عالية الدقة.