من نازلة إلى رزيئة، من ضيق إلى عسر، ينصرف العالم إلى بدايات الإحتضار، مسهباً في الكلال وموغلا في اللهث.
بينما يحترق القمح على ضفاف الموانىء، ويتعمّق الجدب، تُحاصر 13% من مجمل صادرات القمح العالمية في أتون الصراع في أوكرانيا، وبينما تحظر الهند صادرات القمح، يصل مخزون الحبوب في العالم لمستويات كارثية، بينما ذلك، يستفيق العالم على ارتفاعات متتالية لأسعار النفط، وهم الذين ما نهضوا بعد من لطمات كورونا.
ماذا بعد؟ ماذا عن المآزق السياسية المفتعلة، وعن السيناريوهات التي تتسرب كل يوم، تلك التي تشي بحلول عقيمة ومربكة تعقد المشهد وتغلّفه في وعاء من الإختلال والإضطراب؟.
اليوم يبدو العالم الثالث أكثر هشاشة، ضامرا وضعيف، متصالحا مع كل ما يمكن للطغاة أن ينثروا في ترابه المستكين من بذار، متاح ومستعد لكل مشاريع التصفية وإعادة التوزيع.
قالوا لنا إنه عالم متقدم، أنتج أدوات الترفيه والإتصال ووسائل الحياة، ولم يقولوا بأنه أنتج الحروب وأقطع لها مصانعا تضمن أن يشتد أوارها، دون اهتزاز جفن لمآلاتها المهلكة.
عمدوا لتصنيفات من التمييز والعزل، فكانت الدول عالما أول وثاني وثالث، وأحالوا العوالم المتأخرة في تصنيفهم إلى حقول وسهول من الإستعمار والإستثمار والتجارب، وغدت الشعوب التي كانت تملأ الدنيا تقدما وحضارة، أسواقا متاحة للحروب في الميادين وفي التجارة وفي الإجتماع، ومراكز إيواء سهلة لغزاة العقول والبيوت.
يسكن آخر برميل نفط في العالم في بلاد العرب، غير أنهم لا يملكون من أمر الطاقة شيئا.
تخزّن الولايات المتحدة النفط ويسير العالم بخطى سريعة نحو الطاقة البديلة، لاعب واحد في الساحة، يمتلك الكرة والأهداف والمرمى.
اليوم، يسير هذا العالم المتقدم نحو حرب عالمية كبرى، حيث تتهيأ مدنهم لمفتتح الأسلحة الفتاكة، ولقطف ثمار الغراس في مصانع الموت، تلك التي وجدت سوقا يانعة في الشرق الأوسط عبر عقود طويلة من الخيبات والويلات والجهل والتراجع وتعظيم قيم الإستهلاك على حساب التفكير والإنتاج والإبداع.
في منتصف هذا التلاطم والقلق والإضطراب، ربما آن أوان العودة للأساسيات، زراعة السهول واستجلاب المياه من باطن الأرض، كي لا يرتهن خبز الناس بالموانىء المحترقة ولا بقرارات منع التصدير..