تعتبر الحرب الدينية من أخطر أنواع الحروب وأبشعها، لأن طرفيّ القتال يدعي كل واحد منهم أنه ناطق باسم الله !! لأن أتباع كل فريق تعيش في قلبه آيدولوجيا تجعله مقاتلا شرسا مصرا على بذل الجهد كل الجهد حتى تنفذ طاقته . ولهذا تعمد الجيوش الى غرس الروح المعنوية في جنودها لأنها صاحبة الدور الأهم في القتال .
في الغالب تجد الكثير من الحروب حروبا مصلحية تتعلق بمناطق النفوذ والاحتلال وامتصاص الخيرات وإخضاع الطرف الآخر، وهو ما رأيناه في الحروب الصليبية والاستعمارية التي قادتها بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإيطاليا وإسبانيا وروسيا والصين وألمانيا ويشمل ذلك الحربين العالميتين اللتين ذهب ضحية لهما الملايين من النفوس البشرية . وفي التاريخ القديم كان الصراع بين الفرس والروم وهو ما سجله القرآن الكريم . إن تصاعد الطائفية في الهند والصين والعراق وايران وافغانستان واليمن ولبنان وغيرها من الدول قديما" وحديثا" هو عنوان للحرب الدينية التي لا تقف عند حد بل تبقى في دائرة مفرغة بين الفعل ورد الفعل .
ولقائل أن يقول إن المسلمين شاركوا في الحرب الدينية فلماذا تعيرون الآخرين بما هو في تاريخ أمة الإسلام؟!
إن الاسلام لم يفضل القتال حين فرض الجهاد بل جاء رد فعل على ظلم الآخرين " أُذن الذين يقاتَلون بأنهم ظلموا " فقد تعرضوا للظلم وهو أمر لا يقبله أحد . أما نشر الإسلام فأمر آخر إذ ليس للمسلمين هدف نهب خيرات الناس ولا فتح الأسواق ولا إلغاء وجود الآخرين ودياناتهم لأن الله تعالى قد قال " لا إكراه في الدين " فالمسلمون يعرضون دينهم على الناس فمن شاء قبل ومن شاء رفض" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وأكد أن الناس لن يكونوا في دين واحد " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين " وقال " لكم دينكم ولي دين " . واليوم نحن بأمس الحاجة لمقاومة الحرب الدينية وهذا لا يمنع من حوار الناس بأسلوب حضاري وتبادل الاعتراف والعيش المشترك ، وحصر الحرب بالمعتدي أيا" كان ، لن يتوقف الصراع بين الناس ، ولكننا لا نقبل أن يتستر المعتدون على الناس باسم الله ، ولا نقبل من السياسيين توظيف الدين لمصالح سياسية ، وهو ما رأيناه في حرب ريتشارد قلب الأسد واستعارته الصليب لخفي خلفه طموح السيطرة السياسية ، وكما فعل بوش الابن يوم هجم على العراق مدعيا" أن الله كلمه وقال له: ادخل العراق وأفغانستان ، وهو ما فعلته داعش والقاعدة والجماعة الإسلامية المصرية، وكذا ما تفعله " اسرائيل" في ادعائها انها تخوض حرب الغفران ، وكذا ما فعله غولدشتاين يوم غدر المصلين المسلمين في الخليل ، وما يفعله المتطرفون ضد مسلمي آسيا ، وما فعله الصرب في البوسنيين .
ان دعوتي لوقف الحرب الدينية أي الحرب التي يدعي طرفاها انهم ينصرون الله وأنهم يريدون استئصال غيرهم دعوة ضرورية لا تتعارض مع حق كل مظلوم أن يقاتل ظالمه بغض النظر عن دين هذا المظلوم . ولهذا فإننا وقفنا ونقف مع شعب فلسطين وكل الدول التي كانت مستعمَرة وهي غالبية دول العالم الثالث سواء كان شعب جنوب أفريقيا في كفاحه ضد المستعمرين الذين يميزون ضد أصحاب البشرة السوداء ، وكذا الفيتناميين الذين فقدوا ثلاثة ملايين في حربهم ضد الغزاة ، ومثلهم أهل كوبا والأرجنتين .
ولو قبلت دول العالم ما نقول لحل السلام بين البشر على أساس حق كل إنسان في اعتقاده مع الحوار بالكلمة الطيبة التي دعا إليها الاسلام
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " ولعل وسائل الاتصال والإعلام اليوم تمكن من الحوار الحضاري بأداة العقل المشترك بين البشر الذين يتفقون كلهم على الأخلاق الطيبة .