تحتاج الدولة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى منظرين في مختلف المجالات الحيوية, بعد فترة من العقم عاشته الحالة الاردنية لاسباب متعددة ومتناقضة, فنحن اليوم على اعتاب لحظة تغيير في الشكل والمضمون، ولعل الاستشعار الملكي, بأن الوطن والحالة السياسية والاقتصادية اصبحت بحاجة الى التغيير والتطوير.
هذه هي حالة التغيير، او الحالة التي استوجبت حدث التغيير, والتقطتها العين الملكية مبكرا, بتحديث المنظومة السياسية, التي تعني تغيير الشكل والمضمون، ثم الرؤية الاقتصادية, التي تعني تغيير ادوات الانتاج وبالتالي تغيير السلوك العام في الاستهلاك والأنماط اليومية, وقريبا تطوير القطاع العام, بما يكفل ترشيق الجهاز الاداري الرسمي, واعادة التوازن الضائع بين العام والخاص, على ارضية تشاركية حقيقية يعرف كل طرف ما المطلوب منه.
حدث التغيير والتقاطه, ليس جديدا على الفقه الهاشمي والسلوك الملكي, فبعد احداث نيسان 1989 التقطت العين الملكية الحالة، فحدث التغيير يجري بتخطيط دقيق ومحكم, او بمفاجأة على غير انتظار, لكن القيادة الهاشمية كانت السباقة دوماً لمبادرة احداث النقلات النوعية في مسائل التغيير المنشود.
حدث التغيير, تم في بلدنا بتخطيط دقيق ومحكم, اذ تصدر الملك المشهد بكليته, فكان الديوان الملكي,هو حاضنة فهم حالة التغيير, وهو ضامن مخرجات حدث التغيير, فما بعد الربيع العربي, وجائحة كورونا وتوابع الفتنة, ليس كما قبلها, تحديدا وان الاقليم قد انصرف الى حساباته الذاتية الخاصة, سواء لحسابات الكراسي شبه الخالية في بعض الاقطار, او لحسابات تعظيم الدور القُطري, دون حسابات المصالح القومية العليا في اقطار اخرى.
يبقى الضلع الثالث من معادلة التغيير, وهو فعل التغيير نفسه, فنحن على ابواب بناء جديد, فالترميم كما قال السلوك الملكي في تحديث المنظومة والرؤية الاقتصادية والتطوير الاداري, يصلح في الحفاظ على الاثار العامة والإرث السياسي, لكنه لا يصلح في السياسة ورسم المستقبل, فمن يريد ان يتقدم اليوم للقيام بفعل التأثير, عليه ان يتحمل مسؤولية هندسة رؤاه وتصوراته, ويضع الاسس, ويقيم الاعمدة لبناء قوي، يتحمل مطالبه ويتسع لاشواقه, ولما اصبح في مقدوره الان – ولو بالتجربة والخطأ – ان يقرره وينفذه بحريته.
فكل تغيير يجب ان يمر في هذه المراحل الثلاث, وفي العادة ومن خلال استقراء التاريخ للدول التي اجتازت التغيير بنجاح, فإن الوصول من حالة التغيير الى حدث التغيير, يستغرق فترة طويلة نسبيا, وهذا ما حدث في وضعنا المحلي, لكن الوصول من حدث التغيير الى فعل التغيير لا يجوز ان يستغرق زمنا طويلا, لأن هذه الفترة بالعادة مزدحمة بالهواجس, ومكشوفة للمطامع, لأن بقايا الماضي في الداخل وخصوم التقدم في الخارج يحاربون حتى لا يصل التغيير المنشود الى مبتغاه, فهم يريدون امساك المستقبل كما امسكوا حالة الماضي وجزءا كبيرا من الواقع.
التغيير, فعل تقدمي, يستلزمه رجال نهضة واصلاح, وهؤلاء ما زالوا يراوحون بين الهواجس والاقدام, يعملون للمستقبل بعين تنظر الى الخلف, وهذا يُعيق ويؤخر الحركة, وعليهم مغادرة حالة الشك والهواجس, والانطلاق الى الامام, وكما اسلفت حتى لو بطريقة الصواب والخطأ, فالتجربة ستصوب مسارها طالما اننا نستهدف وطنا عشنا فيه ولاجله ونفخر اننا ابناء له.
omarkallab@yahoo.com
الرأي