تتوالى ارتفاعات الأسعار عالمياً بسرعة كبيرة ليبلغ التضخم نسباً قياسية لم يبلغها من قبل، لا ينحصر ذلك على دول دون غيرها، بل تتساوى فيما بينها في تأثرها بهذه الضغوط التضخمية على الرغم من اختلاف مسبباتها بين تلك البلدان.
يشير تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي يصدره صندوق النقد الدولي إلى أن 15 دولة من أصل 34 يصنفها التقرير على أنها اقتصادات متقدمة، كان معدل التضخم لمدة 12 شهرا حتى كانون الأول (ديسمبر) 2021 أعلى من 5 %.
لم يقتصر هذا الارتفاع التضخمي على البلدان الغنية، فقد ضربت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية موجة مماثلة؛ حيث تواجه 78 من أصل 109 من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أيضا معدلات تضخم سنوية أعلى من 5 %، الواقع أن هذه الحصة من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (71 %) أصبحت ضعف ما كانت عليه تقريبا في العام 2020، وعلى هذا فقد أصبح التضخم مشكلة عالمية أو شبه عالمية، حسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
الأردن ليس بمعزل عن كل ذلك، فالأرقام تشير الى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 2.47 بالمائة خلال آذار (مارس) الماضي، مقارنة بالشهر ذاته من 2021، وارتفاع بنسبة التضخم خلال الربع الأول بنسبة 2.29 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من 2021. وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فقد أسهمت في هذا الارتفاع مجموعات الخضراوات والبقول الجافة والمعلبة، النقل، والمطاعم والفنادق، والزيوت والدهون، والوقود والإنارة.
وأمام كل تلك الارتفعات المطردة والمستمرة في أسعار المشتقات النفطية التي “تنهش” من دخول المواطنين، وحيث لم يعد أغلبهم قادرا على تأمين متطلبات الحياة الأساسية، لا يمكن أن تقف الحكومة دون أي تدخل يحد من معاناة الناس ويحفظ القدرة الشرائية لمداخيلهم حتى لو كان ذلك على حساب الخزينة. لكن كيف سيكون التعامل مع كل ما تعانيه الخزينة من تحديات مالية أهمها العجز المالي الكبير والمقدر أن يزداد أكثر مع زيادة أسعار السلع المدعومة من الحكومة؟.
هل إعادة النظر في آلية الدعم المقدم من الحكومة لتلك السلع باتت أمراً ضرورياً أن يطرح للنقاش؟، بصورة يعاد بها توجيهه ليستهدف المواطنين الأردنيين ابتداءً (حالياً يستفيد أي مقيم في الأردن من أي سلعة مدعومة) ومن ثم يصار لاستهداف المواطنين ذوي الدخول الحدود وربط مقدار الدعم مع مقدار الدخول المتأتية لهم بدلا من الإبقاء على صورة الدعم الحالية العشوائية التي لا تفرق بين أصحاب الدخل المرتفع أو المنخفض وبين المستحق وغير المستحق؟.
هل تستطيع الخزينة زيادة رواتب الموظفين مع هذا العجز المتفاقم؟، أو تخصيص المزيد من الأموال لدعم المزيد من السلع الأساسية؟، أو تخصيص مبلغ مالي مقطوع للمواطنين حتى نهاية هذا العام لمواجهة موجة الارتفاعات المتلاحقة في الأسعار هو الحل؟.
لاشك بأن خيارت الحكومة محدودة وصعبة ومكلفة، لكنها ضرورية ومهمة جداً للحفاظ على الأمن المجتمعي الذي أساسه الأمن الاقتصادي للدولة الأردنية.
هذه الأسئلة يجب الإجابة عنها سريعاً من خلال “خلية أزمة اقتصادية” تضم الحكومة والقطاع الخاص والمختصين للقيام بدراسات أثر سريعة لكل الخيارات الاقتصادية المتاحة لمواجهة “جائحة ارتفاع الأسعار” الحالية.