تتشابه عملية كتابة القصة مع عزف الموسيقى إلى حد كبير، ولا أقصد بهذا بديهية أن الأدب والموسيقى عموما أدوات مختلفة للتعبير عن النفس..بل أتحدث عن الفنية السردية بالدرجة الأولى.
للمقطوعة الموسيقية _أيا كانت_ بداية، ووسط/جسد يأخذك كل جزء منه بالضرورة لآخَر وصولا لمقطع الختام، أو أحيانا لما يعرف ب"الكودا" وهي تذييل بسيط للنهاية يهدف لتهدئة المستمع، وإقناعه أن هذه هي النهاية فعلا! كما في بعض القصص التي تربط الخاتمة بموعظة تجعلها أكثر وضوحا وقبولا لدى القارئ _وكل تلك الأجزاء بتدرجها هي ما يصنع التحفة النهائية بنسختين غالبا؛ الواقعية وتلك المتشكّلة في مخيلة المتلقي، تمامًا كما في القصة.
وكلاهما يتكشف ويتفتح تدريجيا مرورا بتأزم الانفعال وذروة التأثر ووصولا للقفلة والنفس الأخير.
وكما أن أي تغيير في ترتيب كلمات جملة ما قد يفقدها المعنى تماما.. أو قد يخفف من وقع التشديد على فكرة/صورة ذهنية بعينها..، فإن تأخير نوتة واحدة في السطر.. كفيل بقلب الإحساس المُرسَل كاملا أثناء العزف.
ترتفع الصياغة في كليهما وتنحسر وتتدفق لتحملك معها وتوجه إحساسك على طول اللحن أو القصة.
يشترك الجيد منهما أيضا بكونه موجزا، وفي الوقت ذاته مؤثرا كي تعوض فيه القوة ما فقده حجما..
ثم نظل نتتبع تغير العواطف ونتماهى معها على امتداد العمل، والأداء، ما بين تحليل العاطفة الغالبة على العبارة، واستنباط العبارة التي تضمرها العاطفة.
وكلاهما بلا شك يتوهج أكثر حين يصبح لعبا متحررا واستمتاعا بالخروج عن المتوقع. والمقطوعة الآسرة كما القصة الجيدة تعطي المتلقي ما لم يتوقع قدومه.. تستقبله بخطف الانتباه وتودعه بالإدهاش.
* من المعروف أيضا أن الموسيقى عروس الإلهام.
وأن الكثير من الكتاب يعززون المقطوعات الموسيقية التي يستمعون إليها _تلقائيا_ بقصة ما في أذهانهم.
لكن حين تمسك _ ككاتب_ بآلة ما ستدرك إمكانية الحالة المقابلة أيضا؛ كيف تكون القصة هي حجر الأساس للمعزوفة.. هي المحرك والمتحكم باللحن...كيف تبدأ ثم لا تعرف كيف وإلى أين سيؤول الأمر، وإن كان سيستمر على الإيقاع المتخيل والوتيرة المطلوبة أم لا.. إن كان سينتهي بخيبة أمل، أو باحترام تيار الوعي وعفويته أكثر وأكثر.. تماما كما في الكتابة
إيقاع.. تكوين.. نسيج.. تكرار.. إيماء وتلميح.. إطالة، والكثير من محاولات التشذيب والتهذيب.