أعادت التصريحات الأخيرة المسيئة للرسول العربي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه و السلام والتي صدرت على لسان مسؤولين بارزين في حزب بهاراتيا جاناتا دال الحاكم في الهند الاهتمام على نطاق واسع في الوطن العربي الكبير للقضايا المتعلقة بالاقلية المسلمة المضطهدة هناك والخيارات التي يجب اللجوء إليها لدعم هذه الأقلية الكبيرة التي يقدر عددها بقرابة 300 مليون نسمة، وهنا برز خيار ثوري بعيد عن الأضواء وهو التمرد المسلح الماوي القائم في شبه القارة الهندية منذ العام 1967 كوسيلة لردع الطبقة اليمنية الهندوسية المتشددة الحاكمة في العاصمة الهندية نيودلهي .
المواجهات المسلحة الدامية بين قوات الأمن الهندية والثوار الماويين الدائرة منذ أكثر من نصف قرن لا تحظى بكثير من الاهتمام في الوطن العربي، رغم الصلات الوثيقة التي ربطت الأمة العربية تاريخيا بالهند، فكثير من السلع الهندية المنشأ كانت تجد طريقها إلى الأسواق العربية كالحسام المهندِ (السيف القاطع البتار) الذي أصبح مصدر اعتزاز لفرسان العرب الاشاوس منذ عصر ما قبل البعثة (الجاهلية) ورمزا من رموز الشجاعة والفروسية، ناهيك عن الارقام المتداولة اليوم لدينا ( ١، ٢ ، ٣ .. إلخ ) والتي استقيناها أيضا من الهند في زمن الدولة الاموية، ناهيك عن أن بعض الجماعات الدينية الناشطة لدينا كجماعة التبليغ والدعوة مثلا تأسست في الهند أيضا بين أوساط الأقلية المسلمة بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
التركيز على أوضاع الأقلية المسلمة في الهند التي تتركز في شمال غرب تلك البلاد يبدو أمرا طبيعيا هنا في الوطن العربي الكبير، نظرا للروابط الإيمانية و العقائدية التي تربط السواد الأعظم من أبناء الشعب العربي بأخوتهم في الاسلام هناك، وفي ظل ما تتعرض له من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان و اضطهاد على يد أجهزة الأمن الحكومية التي تسيطر عليها الأغلبية الهندوسية خاصة تحت حكم حزب بهاراتيا جانتا دال المتطرف، لكن تجاهل التمرد المسلح الماوي اليساري الاكثر تهديدا لاستقرار النظام الحاكم في نيودلهي من قبل النخب المثقفة العربية يبدو أمرا غير مفهوم ولا مبررا في ظل الظروف الحالية .
التمرد المسلح الماوي الذي تعود انطلاقته إلى خمسة عقود ونصف تقريبا من الزمن والذي يخوض غماره ثوار هنود متأثرين بأفكار الزعيم الصيني ماوتسي تونج يمتد إلى رقعة جغرافية كبيرة من الأراضي الهندية إذ يشمل أكثر من نصف ولايات البلاد ويستنزف قوات الأمن الهندية التي تعاني الأمرين من الهجمات المتكررة للمقاتلين اليساريين الذي يبسطون هيمنتهم على العديد من القرى في الأرياف والغابات والادغال ويمارسون من هناك مباديء حرب التحرير الشعبية في بيئة مؤيدة لهم على الغالب الأعم .
البيئة الريفية في المجتمع الهندوسي والتي يشكل الفقراء والمهمشون الأغلبية الساحقة فيها لا تقدم الدعم اللوجستي فحسب لهؤلاء الثوار اليساريين، بل أيضا ترفدهم بالرجال في مواجهة سلطة قمعية ذات نزعة طبقية برجوازية تمارس الإقصاء والتهميش بحق الكادحين المسحوقين ، مما يوفر لهؤلاء الثوار إمكانية السيطرة على العديد من الولايات الهندية ونصب الكمائن لعناصر الأجهزة الأمنية الهندية والمتعاونين معها في مناطق تكسوها الأشجار والغابات الكثيفة، وبالرغم من ذلك يواجه هؤلاء المقاتلون الأشداء مصاعب جمة في مد تمردهم الى مدن البلاد الرئيسة كبومباي ونيودلهي وكالكوتا في ظل افتقارهم إلى الدعم الواسع النطاق هناك حيث يمارس حكام نيودلهي سياسة في غاية الخبث والدهاء .
لقد مارس حكام نيودلهي في ظل حكم حزب بهاراتيا جانتا دال سياسة تقوم على بث الفرقة الطائفية والدينية بين مكونات المجتمع الهندي بطريقة شعبوية تقوم بتحريض الأغلبية الهندوسية على الأقلية المسلمة لمنع اندلاع النزاع الطبقي في مدن البلاد الكبرى وإضفاء صبغة دينية على الصراع المجتمعي بدلا من ذلك لصرف أنظار الغالبية الساحقة الكادحة عن مساوئ وعيوب النظام الرأسمالي الليبرالي الحاكم في الهند .
إن استراتيجية السلطات الهندية للحد من نفوذ الثوار الماويين في جنوب البلاد وشرقها و وسطها لم تقتصر على منع تمددهم باتجاه المدن الرئيسة و المناطق الشمالية الغربية منها، بل تضمنت عملا خطيرا يؤثر على البيئة المحلية والمناخ حيث أطلقت العنان لعملية قطع أشجار الغابات الكثيفة من قبل الشركات الكبرى المحلية منها والأجنبية بحجة التنقيب عن مصادر الثروة المعدنية، إضافة إلى إطلاق حملة إعلامية دعائية مكثفة مضللة عن تلقي هؤلاء الثوار دعما خارجيا من الصين والباكستان وهو أمر لا يعدو كونه هرطقة إعلامية كاذبة لذر الرماد في أعين الرأي العام الهندي وتأليب السكان المحليين على الثوار الماويين الذين يستمدون دعمهم بالمقام الاول من أهالي تلك المناطق الريفية المسحوقة المهمشة .
الحقيقة التي لا شك فيها هي أن النظام الحاكم في نيودلهي يواجه تهديدا حقيقيا وخطرا جديا على مستقبله من هؤلاء الثوار المتمرسين في حرب العصابات على غرار ما حدث مع النظام الملكي الحاكم في نيبال المجاورة، حيث تمكن نظراؤهم الماويون من الإطاحة بالنظام الحاكم هناك والسيطرة على مقاليد الحكم والامساك بزمام السلطة في العاصمة كاتماندو بعد صراع مسلح مرير وعبر صناديق الاقتراع في نهاية المطاف، و هو الأمر الذي أعطى جرعة معنوية قوية للثوار الماويين في الهند بأن ثورتهم الشعبية المسلحة ستتوج بالانتصار في نهاية المطاف مهما طال المشوار وعظمت التضحيات .
إن تقديم الدعم المالي من قبل الأقطار العربية الثرية للثوار الماويين في الهند وتحالف الأقلية المسلمة هناك مع هؤلاء المناضلين من أجل الحرية يبدو خيارا صائبا وحكيما في مواجهة التطاول المستمر على خير الأنام سيدنا محمد العدناني الرسول العربي الكريم صلوات الله عليه وسلامه، والاضطهاد غير المسبوق الذي يعاني منه المسلمون في تلك البلاد البالغة الحيوية والأهمية لنا نحن في وطننا العربي .