السرّ وراء حاجة الأردن للأمن الغذائي
حاتم القرعان
14-06-2022 09:39 PM
يبدأ الأمن الغذائي ، منذ استيقاظك ، وحاجتك لإستهلاك رغيف خبز واحد ، على مائدة الفطور ، وقد يصحب الرّغيف صحن من بذور "الحمّص" المهروسة ، وقليل من الزّيت ، والشّاي ، ولأنّ الأمن الغذائي يشمل ، تأمين كلّ ما يلزم المجتمع ، بأكمله ، أو الفرد ، فهنالك أشخاص لا يملكون الأمن الغذائيّ، أو كسرة خبز ، على أقلّ تقدير .
لن نتحدّث عن السّعرات الحراريّة ، والكربوهيدرات ،والبروتين ، والحديد ، والفيتامين ، والصوديوم ، وعن السّعرات الحراريّة التي يشملها رغيف خبز واحد ، بل سنربط الأمر بحقيقته ، وبكرامة حضور رغيف الخُبز ، وعن حالة الإزدراء والضّعف المُرافقة لعدم وجوده على المائدة .
يعتبر مفهوم الأمن الغذائي محور القضيّة ، وأهمّها ، على السّاحة العربيّة ، والعالميّة ، لدوافع كثيرة ، وأهمها عدم الفهم الكامل ، لجوهر الأمن الغذائيّ ، والفشل في تحقيقه ، وبسبب الظّروف السّياسيّة ، التي تكتنف العالم بأسره .
بداية ، يرتبط الرّغيف بكرامة الفرد ، لا يفترقا ، فلا كرامة دون تأمين أبسط أنواع الغذاء " الخبز والملح والبصلة " وصولاً إلى راحة الفرد وعدم حاجته وطمأنينته ، وعيشه كريماً ، دون إنكسار ، أو حاجة .
عام ١٩٧٤ ، أستخدم مصطلح الأمن الغذائي لأول مرّة ، بسبب إنتشار الحروب حينها ، وعرّف هذا المصطلح ، خلال المؤتمر العالمي للغذاء عام ١٩٧٤ ، بأنّه مدى توفر الغذاء الكافي خلال كل الأوقات، ذو قيمة غذائيّة، متنوّعة ، ومتوازنة، وتوفّر هذه المواد الغذائية ،لتحمّلْ زيادة استهلاك الغذاء ، ومعادلة تقلّبات الإنتاج والأسعار .
ومن أشكاله ، الأمن الغذائيّ الكلّي ، أو الأمن الغذائيّ الذّاتي ، أن تنتج الدّولة الواحدة من موادٍ غذائيّة بكميات تفوق الطّلب داخلها ، أمّا الأمن النّسبيّ ، ما تؤمنه الدّولة ويوافق حاجتها من الطّلب دون زيادة.
جلالة الملك عبدالله الثاني، دعا إلى ضرورة تمكين الاردنّ ليكون العنوان الرئيسي للامن الغذائي فى المنطقة بكل روافده، وأشار جلالته بخصوص ملف الأمن الغذائيّ سابقاً ، إلى ضرورة الإستجابة للمخاطر العالميّة ، وربط جلالته الأمن الغذائي بالإستقرار الإجتماعيّ .
منذ عام ٢٠١٦ م ، لم يتعدَ النّمو الإقتصاديّ في الأردنّ ٢٪ ، ومنذ إن جاءت جائحة كورونا والتي كشفت الغطاء عن البلدان الضعيفة إقتصادياً وماليّاً ، رمت هذه الجائحة بثِقلها عبئاً ، على الاقتصاد الأردنيّ الذي ينزف ببطئ شديد .
القمح والشّعير ، والحمّص ، وبقوليات أساسيّة أخرى ، واللحوم الطازجة والمُبرّدة ، وكل المواد الغذائية التي يمكن للدولة تأمينها ، والحفاظ على ديمومتها ، مع النّظر لإمكانيّة تخزينها ، جرّاء إرتفاع الأسعار عليها ، والبقاء في خانة التأمين الذّاتي لها .
أما عن إمكانيات وتحدّيات الأمن الغذائيّ في الأردن ، أن الأردن يستورد سنويًا نحو ٤ مليارات دولار من المنتجات الغذائيّة والزراعيّة ، وندرة الموارد المائية فيه ، إضافة للمساحات الزّراعية الشّاسعة القابلة للزّراعة ، التي لم تدخل حيّز الإنتاج الغذائي بعد ، إحتل الأردن مؤخّراً السابع عربيّاً ، و٤٦ عالمياّ في مؤشّر الأمن الغذائي العالمي ، في ظل تراجع دول ذات ظروف إقتصاديّة أقوى ، رغم تحدّياته ، ويمتلك الأردنّ عدد حوالي ٢.٦ مليون شابّاً ، قادرين المشاركة ، و ٢٥ مليون دونم صالحاً للزراعة وقابلاً للمشاريع .
وزارة الزّراعة الأردنيّة ، وبجهود الحنيفات ، يُنظر إلى الأمن الغذائي بعين الأهميّة ، وتعتبر الوزارة صاحبة الإختصاص ، أهم ما يمكن فعله مساعدة المزارعين وتمويلهم أحياناً ، وحثهم على زراعة المحاصيل كافّة ، وتتخذ الوزارة عدداً من الإجراءات لتعزيز المخزون الغذائيّ ، وتقوم بطرح المشاريع الزّراعيّة التي تخدم الأمن الغذائيّ .
تأتي فكرة الأمن الغذائي بشكل عام ، مرتبطة بكلمة إستراتيجيّة ، وهذا قد يصف الخطط المُبرمة في التعامل مع الجّائحات والحروب ، وإرتفاع أسعار المواد الغذائية عالميّاً ، ما يدفع الدّولة للنظر إلى أهميّة هذا الجّانب ، حيث تكمن قوّتها .
"أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف “ تحذيراً قرآني من الجّوع والعطش ، والتنبؤ لسنين عجاف لبني إسرائيل ، ونفاد من القوّة والطعام ، إن لم يخزّنوا القمح ، فذروه في سنبله !
الأمن الغذائيّ ، قضيّة مُلحّة ، وإمداداً لقادم ، وتأمين الإكتفاء الحقيقيّ ، من خلال إستغلال الأراضي الزّراعيّة وحل مشكلات المياة وإدارتها ، والسّماح لأيّ فرد داخل الدّولة ، أن يكون منتجاً ، ومشاركاً في جوهر الأمن الغذائي .
أزمة غذائيّة عالميّة قادمة ، قد تطيح بإقتصاديات دول كبرى ، ومشاريع عالميّة ، وأخرى عربيّة ، وأردنيّة ، وأفكار ما زالت تجول في الأفق ، ليكن الأردن مركزاً إقليمياّ للأمن الغذائيّ ، ولن يتحقق ذلك ، دون العمل بجديّة ، وخلق الأرضيّة المشتركة في فهم الحاجة للأمن الغذائي، والقمح , من جميع أركان الدّولة إبتداءً من رأس الحكومة والمرور بكافّة وزاراتها ، وصولاً إلى المزارع البسيط ، وخلق حالة من التّفاهم , والتّخطيط ، والدّراسة ، والتّمويل ، وفهم المشروع القاصد في تأمين كلّ ما يحتاجه المواطن , في كلّ وقت ، ليكن بمأمنّ ، بعيداً عن الظّروف السّياسيّة النّاشبة ، ويرفع بذلك القيمة الإنتاجيّة للفرد الواحد ، وتبتعد عن إنعدام الأمن الغذائيّ .
فكلّ ذلك بوصلة ، لإيجاد الوطن قويّاً إقتصادي ، وسياسي ، وإجتماعي ، في الجّهة المُقابلة قرابة ال١٠ مليون نسمة ، يخافون فقدان “ الخُبز " وبإمكانهم المُشاركة .
حفظ الله الأردن وشعبه وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين.