حسب المراقبين والتسريبات كذلك التصريحات الإيرانية والأمريكية والأوروبية قبل شهور، كان التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران وأمريكا قريبا جدا و بالتالي نزع فتيل الأزمة، ولكن تدخل إسرائيل وإصرارها على عدم عودة أمريكا إلى الإتفاق حيث رأت فيه دعما لإيران و تهديد لها إذا أصبحت الأخيرة دولة نووية ، وكما جرى التاريخ في الانحياز الأمريكي لإسرائيل تراجع البيت الأبيض عن اندفاعه نحو إعادة الاتفاق مع إيران واحتج بحجج كثيرة مع حملة إعلامية شرسة بموازاة نوعاً من التعنت في إيران نتيجة التيارات السياسية المختلفة فيها ،الأمر الذي أعاد الأزمة إلى مربعها الأول و أدى إلى قرع طبول الحرب في المنطقة في ظل تغيرات حادة و عميقة فيها حيث أصبحت إسرائيل فعلياً جزءا أساسيا من المنظومة السياسية و الدفاعية بعد توقيعها اتفاقيات مع دول عربية إضافة إلى حالة ودّ عميقة مع معظم دول المنطقة وإن لم توقع مع هذه الدول اتفاقيات في ظل عداء مطلق لإيران.. و هذا الحال تتحمل إيران جزءا كبيراً منه حيث لم تلق أي اهتمام إلى أهمية العمق العربي لها ،خصوصاً دول الخليج و أظهرت العداء من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول و محاولة زعزعة الأمن فيها من منطلق إدعائها الوصاية على المواطنين الشيعة فيها الأمر الذي جعل هذه الدول تنظر إلى إيران من منظور الريبة واعتبارها بؤرة تهديد لأمن الخليج وكانت الضربة القاسمة في العلاقة الخليجية الإيرانية وخصوصاً على الجانب السعودي ،تدخل إيران السافر في اليمن من باب طائفي الأمر الذي اعتبرته المملكة تهديداً مباشر لأمنها.
والتدخل الإيراني امتد إلى خارج منطقة الخليج إلى دول عربية متعددة من منطلق طائفي الأمر الذي جعلها في نظر العرب مهددة لأمنهم بشكل كبير، و هذا لا يخفى على أحد حتى تركيا بدأت تدير ظهرها لإيران من باب الحرص على مصلحتها مع المحيط العربي، و مصلحتها مع أمريكا و أوروبا، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية جعلت الاهتمام الروسي بالعلاقة مع إيران يتراجع بشكل ملحوظ ولابد أن تكون الصين بهذا الموقف حفاظاً على مصالحها و بالتالي فقدت إيران الكثير من أوراقها التي كانت تلوح بها بوجه أمريكا.
إسرائيل هي اللاعب الأساسي في تعقيد الأزمة الحالية التي تهدد المنطقة بكاملها إذا تحولت إلى حرب على أرض الواقع و تجاوزت التراشق بالاتهامات إلى تراشق بالصواريخ، ساعتها ستكون كثير من الساحات العربية أساسية في الحرب و هذا أمر خطير يهدد عمق الأمن القومي العربي.
الأوضاع السائدة في المنطقة شبيهة بتلك التي سادت قبل الحرب الأمريكية على العراق وكانت إسرائيل ايضاً هي اللاعب الأساسي فيها و المستفيد الأول من نتائجها لأنها تسعى دائما إلى عدم وجود قوة توازيها في المحيط قوةً و سطوة حتى تظل موازين القوة تميل لصالحها في ظل انحياز أمريكي تام، و بالطبع كل أحداث المنطقة سابقاً و حالياً تصب في بؤرة القضية الفلسطينية وتمكين اسرائيل من تصفيتها حتى تتم مشروعها بالسيطرة على المنطقة بكاملها الهدف الأساسي في العقل الإسرائيلي و الأمريكي في ظل ضعف عربي مطلق وتراجع الدول الأوروبية في التأثير على القرار الأمريكي.
الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت ولا زالت تضرب بعرض الحائط استقرار الأمن في المنطقة و بالذات العربي في سبيل مصلحة الكيان الصهيوني وتنفيذ مشاريعه التي تتخطى فلسطين إلى كل الإقليم.
الأمر الذي أدى إلى أن تبقى المنطقة مشتعلة طيلة العقود السالفة.. ولا يلوح بالأفق أي تغير من الممكن أن يطرأ في انحيازه لإسرائيل.
من المهم أن نعي جيداً أن التموضع في الصراع اختلف بعد أن حققت إسرائيل اختراقات كبيرة و مهمة على مستوى كثير من الدول التي أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية وأصبحت تبحث عن مصالحها و تسعى إلى تحالفات جديدة على المستوى الإقليمي و الدولي حيث شعرت هذه الدول أن الوقوف بوجه المشروع الاسرائيلي المدعوم أمريكياً بات مستحيلاً، بعد أن دفعت أنظمة كثيرة أثماناً باهظة عندما حاولت الوقوف بوجه هذا المشروع.
نحن في الأردن يجب أن نكون واعين تماماً للظروف التي استجدت على مستوى المنطقة والعالم وأين نقف في دوامة هذه الأزمة التي ربما تعصف بالجميع في ظل أزمة اقتصادية معقدة.