ثلاث وقائع ملغومة بالشكوك والتأويلات، انفجرت داخل بلدنا خلال الأيام القليلة المنصرفة، التوقيت كان لافتا، وربما تم اختياره بدقة، الاحتلال الإسرائيلي كان حاضرا في المشهد، باعتباره “قطب الرحى” لما جرى وما تلاه من نقاشات، أما الوقائع الثلاثة فتوزعت بين الديني والسياسي، ثم تشابكت، لدرجة أصبح من الصعب الفصل بينها، فيما الهدف والمقصود والمتضرر هو بلدنا، سواء جرت هذه الأحداث وتزامنت بفعل فاعل، أو كانت صدفة.
قبل أن أستعرض هذه الوقائع، أسجل ملاحظتين، إحداهما أنني سأتوخى الحذر والدقة بهذا المقال أكثر من أي وقت مضى، ولن أستغرق بالتفاصيل، لأسباب يطول شرحها، ويدركها القارئ الحصيف، أما الملاحظة الأخرى فهي أن هذه الوقائع لا يمكن فهمها، وتقدير أهميتها، بمعزل عما يحدث في بلدنا، وما حولنا، إقليميا ودوليا.
وأخشى أن أقول: إنها تشكل علامات لخرائط جديدة، بدأت تترسم في منطقتنا، ومن الضروري أن ننتبه لها، ليس بتشييع أصحابها والمتعاطفين معها بالتشهير والإدانة، وإنما بمواجهة ما تحمله من أفكار ورسائل، بمزيد من الوعي والفعل السياسي المدروس، وبما يخدم الصالح العام لبلدنا.
الواقعة الأولى، بطلها أحد الدعاة الأردنيين، بدأت بتواجده داخل مسجد في دولة شقيقة خلال مؤتمر حضره شارك به حاخام صهيوني، ثم تصاعدت من خلال فيديو تحدث فيه عن رحلة سيدنا موسى لمدينة الكرك، وزواجه من فتاة كركية (!).
ما فعله الداعية استدعى للذاكرة الشعبية مسألتين، التطبيع، ومسارات الديانة الإبراهيمية، الدين هنا اختلط بالسياسة، وأضرّ بها أيضا، لكن الأخطر من ذلك هو مصلحة الدولة والمجتمع فيما حدث، هل يصب بخدمتها وضمن سياقيهما السياسي والديني، أم لا؟ الإجابة بالطبع معروفة.
الواقعة الثانية تتعلق بمقال نشره أحد المواقع العربية، يتحدث عن سيناريوهات لحل القضية الفلسطينية، على حساب الأردن، الأخطر بالمقال ليس ما ورد به من اقتراحات مغشوشة، وغير واقعية ولا منطقية، ولا يمكن أن يقبلها أي طرف، وإنما بما وراءه، وما يحيط به من مخططات مطروحة لتصفية القضية الفلسطينية.
المقال، إذا، مجرد “بالون اختبار” للتغطية على أجندات أخرى مخفية، ربما أصبحت جاهزة، عنوانها تنصيب إسرائيل بشكل رسمي شرطيا لإدارة المنطقة، وفرض أجندتها على الجميع، باعتبارها ليست عدوا لأحد، فيما المستهدفون، ليس الأردنيون والفلسطينيون فقط، وإنما المشرق العربي الذي يبدو أنه يخضع، الآن، لعملية إعادة ترتيب أشبه ما تكون، وربما أسوأ، بما حصل قبل نحو 100 عام.
الواقعة الأخيرة: “الرايات” التي رفعها بعض أتباع إحدى الطرق الصوفية أمام مزارات الصحابة بمدينة الكرك، قد يبدو وزن ما حدث خفيفا، مقارنة بالواقعتين السابقتين، لكن اللافت أن ثمة محاولات تجري للعبث بمجالنا الديني، متزامنة مع عبث آخر يجري في مجالنا السياسي، ربما تكون “اللعبة” غير مقصودة، لا أدري، لكن حين نربط بين المسارين: مسار الإبراهيمية وسيدنا موسى والمزارات، ثم “المملكة” المقترحة لتصفية القضية الفلسطينية، لا نستطيع أن نفصل السياقات عن بعضها، ولا أن نتعامل معها بمنطق البراءة والتسليم.
بقي أن أقول: بلدنا أصبح في عين العاصفة، ومن واجبنا أن ننتبه لكل ما يحدث أمامنا وحولنا، أزمتنا الاقتصادية ليست صدفة، والذين ينبشون المقابر لصناعة الخلافات بيننا، وزعزعة مجتمعنا، لم ينزلوا علينا بالبراشوت، وحالة اليأس التي أطبقت على الأردنيين تغذيها خزانات يمسك بصنابيرها مقاولون محترفون بهندسة المجتمعات، أما الوكيل الحصري الذي يستثمر بكل ما يحدث فهو الاحتلال الإسرائيلي، فيما الذين يتحركون على المسرح مجرد كومبارس فقط.
ملاحظة: الأيام القادمة ستكون حبلى بوقائع جديدة، وصادمة أيضا، السؤال كيف سيفهم الأردنيون هذا الشحن المريب، وكيف سيتعاملون معه؟ ثم كيف ستواجهه إدارات الدولة؟ لا أدري.
(الغد)