منذ عقود طويلة وأهل العلم والخبرة على مستوى الوطن العربي وفي الأردن، والكل يدفع ويحفز المسؤولين في أقطارنا كافة أن نعطي أولوية لزراعة القمح والحبوب بشكل عام. فالقمح والحبوب سلعة استراتيجية لا يجوز إهمالها، وبالتالي الاعتماد على المصادر الخارجية لتأمين احتياجاتنا المتزايدة منها.
إلا أنه ومع الأسف، هذة الدعوات لم تجد آذان صاغية من المسؤولين، وكانت حجتهم والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ساذجة وتخلو من النظرة الاستشرافية إلى المستقبل، بقولهم من أن زراعة القمح والحبوب ليست ذات جدوى اقتصادية! مع أن السلع الاستراتيجية لا تقاس بجدواها الاقتصادية المجردة، بل تقاس بجدواها الوطنية، وبالتهديد المحتمل بنقصها الفادح فيما لو تغيرت الظروف والمعطيات الدولية كما هو حاصل اليوم.
*** الآن، ومع الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها مع الجائحة، ثبت صحة أن نتنبه إلى ضرورة العودة عن هذا التفكير الضيق، وأن نضع خطة من شأنها إنتاج تلك السلع الاستراتيجية وعلى رأسها القمح والحبوب، وتحقيق أكتفاء ذاتي للعرب منها يحول بيننا وبين أي هزات أخرى محتملة في سوق الحبوب عالمياً.
إن زراعة القمح والحبوب ليست بالمسألة الصعبة، وليست بالاختراع الجديد، فالعرب تاريخياً وقبل الحضارة، وقبل التقنيات الجديدة، كانوا إما زرّاع للحبوب أو مربين للأغنام. فالموضوع عربياً هو في واحدة من أشكاله عودة إلى الأصل، خصوصاً وأن كافة عناصر العملية الانتاجية بالمعنى الحديث متوفرة لدى العرب، وأن اختيار أنواع معينة من البذار المناسب لبيئتنا العربية المتنوعة، يمكن أن تعطي نتائج عالية سواء من حيث معدل الإنتاجية أو من حيث مقاومتها للآفات وللأمراض ولتقلبات الطقس.
*** اليوم وبعد الارتفاع الرهيب لمستوى أسعار النفط، فقد دخل إلى دولنا العربية النفطية عشرات المليارات من الدولارات الإضافية خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية، بمعنى أن المال متوفر وبكثرة في الخزانات العربية، وبما أن الأرض أيضا متوفرة، والمياه موجودة سواء مياه الأمطار أو الأنهار أو مياه التحلية، والطقس المناسب لزراعة الحبوب موجود في العراق، سوريا، الأردن، مصر، الجزائر، المغرب والسودان، كما أن الخبرات البشرية الفنية متوفرة وبكثافة، فهذا يعني أن ما نحتاجه فقط توليف عناصر الانتاج تلك بحيث نصل إلى مبتغانا، بتوفير حاجا? وطننا من هذة السلع الهامة والاستراتيجية.
والسؤال المقرون بالتمني، ماذا يمنع أن تكون على رأس أجندة القمة العربية القادمة في الجزائر، خطة من شأنها ضمان توفير هذه السلع الاستراتيجية للعرب بأقطارهم كافة عبر زراعة المناطق المؤهلة للقمح وللحبوب المختلفة!؟ وبعد.. لماذا لا توضع خطة سريعة من شأنها البدء في الموسم الزراعي القادم؟ خطة من شأنها توفير الحبوب للمواطن العربي حتى لا نبقى عرضة للابتزاز ومس السيادة العربية في واحدة من أهم أوجه الضغوط الاقتصادية التي يمكن أن تمارس على العرب، عبر تزويد مادة القمح والحبوب بشكل عام.
أرجو أن تؤخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، فهي مسألة ممكنة إذا ما توفرت الإرادة لتحقيقها.
والله ومصلحة العرب من وراء القصد.
(الرأي)