مِثْل غيري من المواطنين في بلدي و جواري أقرأُ تصريحات المسؤولين لأهتدي في حياتي و معيشتي. لهم كمسؤولين واجب التنبيه والإرشاد و لي كمواطن واجب التنبه و الامتثال. و بيننا واجب التساؤل عن كنه القرارات و مسؤولية الواجب عند التصريح وضرورة الاقتناع المتبادل بين واجبين: المسؤولية الوظيفية و المسؤولية المواطنية.
اسمحوا لي أن أنتقلَ من البعدِ الوطني الأردني للبعد الأوسع و بمعالجتين. لأن البعدين مترابطين في الكابوس المخيف.
نفهمُ أن سلسلة التوريد الدولية انتكست بسبب الكورونا ثم تبعات الحرب الروسية الأوكرانية. و بسبب هذه الحرب اكتشف العالم أن الغاز الروسي عماد طاقة أوروبا و أن اقتصاد أوروبا و إنتاجها سيطالهُ الكساد لارتفاع التكلفة. و النفط له سعر عرض و طلب و بازدياد أكيد لارتفاع الطلب و عدم قدرة المعروض العالمي التماشي مع الطلب يرتفع سعره علينا في كل معروضٍ من البضائع و الخامات و المزروعات التي تعتمد في زراعتها و تصنيعها على الطاقة. نفهم الارتفاعات المتوقعة في الأردن في النفط والغاز. و نفهم فقرنا المائي. لهذا وباختصار، كل معروضٍ من المستهلكات التي نعرفها سيرتفع ثمنه و مع الجفاف نتوقع ارتفاع ثمن الماء.
ارتفاع الأسعار سيعني للمستهلك البحثُ عن بدائل إما في النوع أو في الكمية. النوعُ المقبول هو ما يمكن استهلاكه دون أذىً لمذاقٍ أو صحةٍ أو ذوقٍ. و في الكمية، تخفيضها للحد المقبول الذي لا يضر. هذه هي الخيارات الموجودة لمعظم الناس و يُستثنى القادرون جداً مالياً و من هم ضمن ال ٢٤٪ من الفقراء في الأردن. لكن هذين الطريقين محكومين بتذبذب الأسعار و الجودة و مرتبطان بقدرة المستهلك الرضى أو الرفض بالمعروض و تحكمه في قبول التخلي عن عادات استهلاكٍ بسبب ارتفاع الأثمان و ثباتِ الأجور. قد يتمكن المواطن من التحكم في ملبسه و مأكله مستخدماً سياسة البدائل في النوع و الكم و الوقت. لكن ماذا يفعل مع النفط و الغاز و الماء؟ لا بديل عنها. إذاً فالحل هو في ترشيد الاستهلاك ما أمكن. و نعلم أن الحكومة لأسبابها رمت بسهامها على التوليد الكهربائي الشمسي المنزلي عندما فرضت عليه ضريبةً مقطوعةً. و هو من شأنه تثبيط البحث عن بديلٍ هناك. أما قطاع المياه الناضبة فالمرء لا يسعهُ إلا الاستغراب فعلاً من تقارير السرقات للمياه و الاستهلاك الجائر لمزروعاتٍ في غير مكانها و لامتداداتٍ سياحية في الوقت الذي يُرشَدُ المواطن المستهلك غير الجائر بالتوفير.
أعتقدُ أن الحكومة مُطالبةٌ بتوفير حزمةٍ ترشيديةٍ حازمة فيما يخص الماء و الطاقة. أهلُ التخصص أفهمَ بما يجب عمله و لكن الاستهلاك الجائر و السرقات و السياحة المائية غير البحرية مؤهلةً لهذا الترشيد بل و إشهار مخالفيه علناً. أما في قطاع الطاقة فالترشيد الفردي مطلوبٌ من غير مجادلة و الحكومة مطالبةٌ بوضع سياسات ترشيدٍ مناسبة ترتبط باستيراد المركبات بالدرجة الأولى و بقطاع البناء الذي يجب أن يلتزم بتطبيق العزل الحراري بصرامة. البحث عن مصادر بديلة للطاقة لم يتوقف منذ عشرات السنين لكنه محكومٌ بشركات النفط العملاقة التي ستعرقلُ الوصول لنتائج لا تُربِحْها من أي طاقةٍ بديلة. وعندنا الشمس و عندنا الرياح و لو شاءت الحكومة إطلاق العنان للاستثمار فيهما عبر شركاتٍ مساهمة وطنية الملكية لرأينا الفروقات في الاستهلاك و الأثمان خلال بضع سنين.
على الجانب الإقليمي المرتبط يهدد الإرهابي رئيس جيش الإرهاب "الإسرائيلي" بإخلاء لبنان من السكان لأنه سيقصفها بلا رحمة. قبله، الإيراني العسكري هدد بتدمير مدينيتين بفلسطين على اعتبار أنهما "إسرائيليتين". التهديد بحروب الإبادة تطورٌ مخيفٌ في وقتنا حين تملك الجيوش و الأحزاب القوة الصاروخية المدمرة. و في صُلْبِ المعركة الأرض و البحر و ثرواتهما. باحتلال فلسطين سرقت و تسرق الصهيونية الماء الفلسطيني و اللبناني و السوري و اليوم تسرق غازهم و نفطهم. ثم تستدير لتبيعه لنا، على الأقل للأردن بموجب اتفاقيات. أنا حقاً لا أتخيلُ دماراً يُحيطُ بنا في الأردن و لا يصيبنا. على أقل تقدير فلنتوقع تدفقا لإهلنا الهاربين من حولنا و لنتوقع تعطلا لإمدادات الطاقة و توقفا لحركة النقل الجوي و البحري لأن حربا كهذه لن تكتفي نيرانها بالقليل.
إذا تواجه الحكومة والشعب أزمة داخلية متوقعة و أزمة خارجية أيضا متوقعة لكننا لا نسيطر عليها بل سنكون أحد ضحاياها. نحن لا نعلم حدود المواجهة المقبلة في المنطقة و لكن الصفات المستعملة في التهديد المتراسل يقول أنها مجهول مخيف. في مثل هذه الظروف يتوقع المواطن أن يكون عند حكومته ترتيبات الطوارئ و مسارات الأزمات المتوقعة من الخارج الإقليمي للداخل و من أزمات الداخل. الترتيبات هي من باب "إعقل و توكل"، فللحكومة العقل و للمواطن التوكل على الله و عليها. و الله يحفظنا و بلادنا و أهلنا.