صلاة التراويح: من عبادة تأملية إلى طقوس احتفالية
د.يوسف الربابعة
06-09-2010 03:13 AM
العبادات في الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام، عبادات فردية، وعبادات جماعية، وعبادات احتفالية، فالصوم مثلا عبادة فردية، والحج احتفالية جماعية وطقسية، أما الصلاة فهي على طريقتين، جماعية وفردية، فعلى الأغلب الفروض تؤدى بشكل جماعي، والسنن تؤدى بشكل فردي، لأن الغاية منها باعتقادي هي استثارة النفس الإنسانية نحو التأمل والتفكر والبحث في الوجود، ومن هنا فإنه يمكنني الإشارة إلى أن صلاة التراويح هي من النوع التأملي والذي يحتاج إلى حجم كبير من الهدوء النفسي والسكينة والعزلة الشعورية، ذلك أنها عبادة رمضانية، ورمضان هو عبادة قردية، وكذلك هي عبادة ليلية وتعد من قيام الليل، وهذا يؤكد الحاجة إلى كونها عبادة تأملية تدعو إلى التفكير والبحث الوجودي، ومن هنا يمكن أن نشير إلى أن غاية النبي محمد عليه السلام من أداء صلاة التراويح في البيت ليس فقط من أجل أن لا تفرض، بل يمكن أن تكون إشارة إلى أنه كان من خلالها يعتكف متعبدا بها بعيدا عن الناس، ولا أريد أن أخوض هنا في الحكم الشرعي لهذه الصلاة، فهي على العموم عبادة مستحبة حتى لو لم تكن مفروضة، لكن ما أريد قوله هنا أن صلاة التراويح هي من العبادات التي تسعى لزيادة اتصال العبد بربه من خلال تكثيف التفكر والتأمل.
ورد في كتب التراث أن التراويح هى صلاه القيام ولكن سميت بهذا الاسم لأنها صلاتها فى جماعه فى ليالى رمضان الكريم كانت تقتضى ان يستريح المصلون بين كل تسليمتين ( تريحه) أى استراحه وجمع ترويحه تراويح وقد كانت صلاه التراويح قى رمضان فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وبدايه خلافه عمر يصليها الصحابه منفردين أو فى جماعات صغيره لكل منهم حتى جمعهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه على إمام واحد، وهنا إشارة إلى أن سبب التسمية هو قضية الاستراحة بين الركعات، لكن المعنى اللغوي للتراويح يشير إلى ظلال أخرى تتعلق بالراحة والترويح عن النفس، كما أنها تتصل بالروح أيضا، وجاء في لسان العرب"والمطر يَسْتَرْوِحُ الشجرَ أَي يُحْييه؛ قال: يَسْتَرْوِحُ العِلمُ مَنْ أَمْسَى له بَصَرٌ وكان حَيّاً كما يَسْتَرْوِحُ المَطَرُ والرَّوْحُ"، فكل تلك المعاني قد تدخل في معنى التراويح التي هي صلاة روحانية تركز على البعد الذاتي الوجداني.
أقول ذلك لأشير إلى ظاهرة انتشرت منذ سنوات وهي ازدحام بعض مساجد في عمان بالمصلين الباحثين عن المتعة الاحتفالية في أداء صلاة التراويح من خلال التهافت على مساجد صارت تشكل ظاهرة جديدة في أداء العبادة، وهي في العادة تكون مزدحمة بالمصلين الذين ينتمون إلى فئة الشباب من الجنسين، وهم في الغالب بعيدون عن فكرة التدين التقليدي، بل يمارسون عباداتهم بنفسية جديدة وطرق جديدة، وهي في الغالب طقوس احتفالية تقترب من الموضة الجديدة في برامج الفضائيات الشبابية التي تسطح حالة التدين لتجعلها كلمات وطقوس شكلية بعيدة عن الفهم العميق للتفكر والتأمل والبحث.
لقد انتشرت ظاهرة المساجد المزدحمة في عمان منذ سنوات وهي تزداد عاما بعد عام، ويرتادها الشباب الباحثون عن تعزيز روحاني مفقود من خلال طقوس وبكاء وذرف الدموع وذلك لإراحة الضمير بشعور يسرّي عن النفس هذا التناقض الذي تعيشه في الحياة، حيث الواقع يناقض المثال التربوي الديني، فهناك واقع من العلاقات والعمل الذي يتناقض مع التربية المثالية الدينية التي يعتقد الإنسان أنه يخالفها، وهذا التناقض يعبر عنه الشباب بممارسة الصلاة وبخاصة في رمضان كونه موسم قد يكون موسما للتوبة والمغفرة والرحمة كما يركز على ذلك الدعاة في برامجهم، فيبدو رمضان كأنه سوق لكسب الحسنات مضاعفة، وذروة هذا الموسم تتحقق من خلال صلاة التراويح، وبالأخص في تلك المساجد التي صارت تشكل ظاهرة رمضانية متميزة في عمان، بل إن الذي يذهب إلى هذه المساجد يلمس حجم التحولات في طريقة أداء صلاة التراويح، وكم تحمل من دلالات، حيث زحمة المصلين من كل الأعمار ومن كلا الجنسين، فتشعر كأنك في طقس من طقوس الحج، لكن كل هذا المشهد بكل ما فيه يفقد الصلاة قيمتها التعبدية والتأملية، وتتحول إلى طقس احتفالي يقف عند حدود الشكل الظاهري دون أن تكون هناك فرصة للتفكر الذاتي الذي هو هدف صلاة التراويح كما ذكرت سابقا.
وتبقى ظاهرة المساجد والتراويح في رمضان حالة دينية اجتماعية بل ظاهرة تحتاج إلى دراسة خاصة أنها تمثل حالة من التدين الجديد، كما يمثل حالة من التدين الذي ينشط في رمضان ثم يختفي، مما يشير إلا أنها حالة شكلية معزولة لم تصل إلى حالة وعي مؤثرة في سلوك الإنسان وطريقة تفكيره.