بدأ التركيز واضحاً منذ أكثر من عقدين، عند الحديث عن التعليم الجامعي خصوصاً والتعليم بوجه عام، على أهمية التعليم لأجل التوظيف.
وهذا الأمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بالعلاقة الوثيقة بين التعليم والنمو الاقتصادي، وبين التعليم وحاجة من يحصل عليه إلى الحصول على وظيفة مناسبة بعد التخرج.
والتأكيد على الأبعاد الوظيفية للتعليم هو طرح واقعيّ ومُهمّ، لا بل ملحّ، لأن التعليم الذي لا يُؤهل صاحبه للمنافسة في سوق العمل هو إما غير ملائم أو غير واقعي، فضمان مصدر دائم للرزق هو مطلب أساسيّ للأفراد.
ولكثرة الحديث عن علاقة التعليم بالتوظيف، أخذ البعض يُثير علاقة التعليم بالعِلم. «ماذا عن ربط التعليم بالعلم؟"
والحقيقة هذا سؤال مهم، لأن الفلسفة القائمة منذ عقود في مجتمعنا هي أن غاية التعليم هي العِلم. المتعلم بحاجة إلى الإلمام الأفقي والعمودي بالمعارف الأساسية والعلوم، لأن الفرد والمجتمع بحاجة للعلم لأجل النهوض.
وكلّنا يذكر، في هذا السياق، بيت الشعر الشهير «العلم يبني بيوتاً لا عماد لها»، والذي تغنّينا به عقوداً طويلة وأسسنا فلسفة نظامنا التعليمي على نفس المبدأ.
وهذا أمر لا يمكن إنكاره، فالعلوم بأنواعها هي التي تفتح الآفاق أمامنا وتُطوّر المجتمعات والحياة؛ والدرس المستفاد من بيت الشعر هذا أن العلم يبني والجهل يهدم.
إذاً لا جدال هنا.
لكن هل يكون التعليم لأجل العلم أم لأجل العمل؟
نقول بداية إنّ معظم من يثيرون هذا السؤال، هم منحازون إما لمبدأ التعليم من أجل العلم أو لمبدأ التعليم من أجل العمل. والفئة الأولى تُشكّل الأغلبية داخل مؤسساتنا التعليمية والأقلية خارجها؛ أما الثانية فوضعها العكس تماماً.
والاستنتاج من هذه الحالة أنّ العلم من أجل التوظيف هو مطلب مجتمعي ضاغط، بحكم الواقع وبحكم نسب العمالة والفقر والبطالة، أكثر من كونه مطلباً للمؤسسة التعليمية ذاتها، والتي كانت فيما مضى تعيش في «برج عاجي» كما نقول.
عندنا إذاً إشكالية واختلاف في الرأي في المسألة. وهذا في تقديرنا أمر طبيعيّ وصحيّ.
لكنّ الإشكال، أو «الخلط» كما يسميه البعض، يُمكن تداركه والتغلب عليه بالحوار والنقاش.
ومن هذا المُنطلق نقول إنّه لا يوجد بالضرورة أي تعارض أو تناقض بين الموقفين، فالتعليم قد يُحقّق، لا بل يجب أن يحقق، المطلبين معاً: العِلم والعمَل، إذا ما أحسنّا إعداد خططنا وبرامجنا التعليمية.
لا بل إن برامجنا يجب أن تُركّز على ثلاثة أبعاد، لا على بُعد واحد أو بُعدين، إلا وهي: المعرفيّة، والمهاريّة، والوجدانية.
وهذه الأبعاد الثلاثة متصلة اتصالاً مباشراً بالعلم والعمل ونمو الفرد وتقدم المجتمع.
التعليم إذا هو للعلم والعمل معاً، إضافة إلى صحة الفرد والمجتمع.
وهذا ما ركّزت عليه الجامعة الأردنية في الخلوة المهمة التي عقدتها مؤخّراَ، والتي ضمت معظم أعضاء مجالس حاكميتها، بهدف عكس غايتي العلم والعمل معاً في برامج الجامعة، من أجل إحداث النقلة المرجوّة في التعليم وفي المجتمع.
(الراي)