أسرار الهش بمسار الطود العظيم
عبدالرحيم العرجان
12-06-2022 01:33 PM
الهش هو طودٌ عظيم، يقع في جنوب وادي رم، ولا يبوح بأسراره إلا لمن سايره وسار فيه، فمعالمه ارتبطت تسميتها بالحواس والشعور وهذا لسان أهل المكان وأصحاب الصفة ومن قصده، وأتى من بعيد لبلوغ نشوة الانجاز والوصول، والظفر بهدوء البادية وسحر الطبيعة وما فيها.
بدأ المسار من مركز زوار المحمية، ودفع رسوم دخول المركبات وترحاب صديقنا ومن كان برفقته لنبدأ متعة رحلة القيادة بسياراتنا الرباعية الدفع بين سلاسل لا تنتهي من حُمر الجبال وما بينها من ممرات، وهو يشير إلينا بلغة العالم بالطريق، وتفاصيل المكان وما فيه من خبايا لا تنكشف إلا برفيق ودليل من أهل الثقة وكرم الخلق من أبناء المكان.
سبعة وعشرون كيلومتر حتى وصلنا لموقع مخيم المبيت الذي اختاره صديقنا بفج أم غضية من وادي العقيلية قرب مفتاح الجبل بناء على اتجاه الريح التي قد تذر علينا شيء من الرمل الذي لا يهدأ، ولا يثبت بمكان فقد يعكر ليلتنا وطعام العشاء، لنهم بنصب خيامنا الفردية آخذين بعين الاعتبار مسافة أمان بعيدة عن النباتات والصخور، ومكامن الأفاعي والعقارب، ورش شيء من الماء ومنقوع الثوم المنفر لها برائحته النفاذة دون ضرر بالبيئة، مسابقين الزمان لاقتناص لحظة الغروب من التل القريب " تل ابوعريعرة". وفعلا كما توقعنا، كان يحمل من جمال الغروب والتكوين ما لا يوصف لفقد وجدنا الطبيعة بكل معاني عذريتها الوردية، وسهرتنا لم تخلى من كرم رفيقنا بفنجان قهوة بعود قرنفل والهيل وخبز العربود وعنايته بأعداده على جمر الغضا.
مع ساعات الفجر الأولى وقبل ارتفاع الشمس وحرارتها بدأ مسار يومنا بدرب رسمه رفيقنا عام 1996م بكل احترافية بناء على طلب إحدى الشركات السياحية الوافدة؛ ليكون درب متوسط الصعوبة مروراً بين قمتيّ الأحمرين والجبل المقورن لشفا عقيلان القاطع والمرتفع، حيث كان نقطة استراحتنا والذي يقابل جبل أم الدامي الشامخ أعلى همام المملكة 1854 م، ويفصلنا عنه هضبة المغار بوادي صابط وكيف عملت فيه سيول الأمطار خطوط وتعرجات جل من سواها بمشهد يثير الدهشة ويحل فيه السكون.
ومابين حجارة وصخور وطبقات متتالية في تكوينها، والهشة عبر الزمان أخذنا الدرب من مطل إلى آخر ومن أشكال تحاكي وجوه البشر بصخور الجبال ومجسماتٍ تراوحت أشكالها بين الواقعية والانطباعية الفنية، فمع كل خطوة يزداد الارتفاع ومثيله من درجة الحرارة والعزيمة، حتى وصلنا لقمة الهش 1702م فهي غايتنا الأولى بعد اجتياز دربه وحجارته الغير ثابتة، وهنا أعاد المشهد الصمت والذهول واتحاد النفس مع الروح بكل المعاني التي تجلت بأسر الطبيعة، فقد تسمع صوت قلبك من شدة هدوء المكان وتعاليه لروعته.
وكما تعودنا، أن الافطار بعد لذة الوصول له طعمٌ آخر، فكان افطارنا خبزٌ وكأس شاي معطر بزعتر بري من المكان، لنهم لقمتنا الثانية "الونان" 1670م بعد صعود طويل حاد المسالك مع ضرورة الانتباه لترك مسافة كافية بيننا حتى لا تنزلق الحجارة والصخور بفعل مسير ممن تتلوه، وهاتان القمتين ليستا الوحيدات على جسم الجبل العظيم الذي تقسمه حدود المحمية فهناك المصاويب وأبو روثة ورقيبة الناس، وفرعة أم زنينة المحاطة بتلال كبيرة، والتي تصدر أصواتٍ كالموسيقى عند مرور الريح بين ثنياها ولذا سمي الجبل بالونان.
والنزول منه يتطلب حذر وثبات أكثر، باستخدام عصى للارتكاز واليد للتثبت، ولذالك يتوجب تقليم الأظافر جيداً لليدين والقدمين كي لا تتكسر من شدة الضغط عليها مع الالتزام التام بتوجيهات الدليل وقائد الفريق، وبكل مرحلة تتغير المعالم والتضاريس إلى أن بلغنا موقع كقلب الزهرة بمنفذ وحيد مخفي بين الشقوق تستدل إليه من مكان مجرى الماء فوق الصخر الملون بعروق بين الشوامخ وكأن بها عيون ترمق الخطوات بأبسط تحركاتك، وما إن اجتزنا الشق الأملس حتى بدأ بالظهور رملٌ وردي ناعم كإحدى علامات انتهاء المسار الذي لا تسطيع أن تحمله الريح فوق مستوى 200م عن قاعدة الجبل.
وما كان لنا إلا طريق واحد بالأصل وهو مجرى مياه الجبل الذي حفر فيه أخاديد وخلفه صخور تستوجب تعاون الفريق عند ارتفاع الإدرنالين مع الدقة بكل خطوة والحذر عند كل موضع قدم، وبالذات فوق الفج 10م، حيث وضع فيه أهالي المنطقة سلم حديدي، والذي حملوه بدرب صعب لمسافة تزيد عن الكيلو متر، فلولاه لما استطاع الكثير اجتياز هذه المرحلة والمعروفة بحلقوم نغرة، ومنها لقاعدة الجبل من الجهة الغربية للنهي مسارنا البالغ (14 كم) سلام.