الجديد برؤية التحديث الاقتصادي
د. رعد محمود التل
09-06-2022 01:01 PM
جاءت رؤية التحديث الاقتصادي، بتوجيه من جلالة الملك عبد الله لتحقيق النمو الشامل المستدام، بوضع رؤية اقتصادية شاملة وخريطة طريق مُحكمة للسنوات المقبلة، تضمن إطلاق الإمكانات ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن. على مدار السنوات تم تقديم مجموعة من الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية التي حاولت رسم “معالم طريق” للاقتصاد الأردني في سبيل دفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاه للمواطنين. فما الذي يميز هذه الرؤية عن غيرها من الوثائق الاقتصادية التي تم تقديمها سابقاً؟
تمتاز هذه الرؤية عن غيرها بجوانب عدة يمكن إجمالها بالنقاط الآتية، أولاً: لأول مرة يتم ربط رؤية اقتصادية شمولية بمستويات التشغيل وفرص العمل التي تخلقها القطاعات الاقتصادية ذات الميزة التنافسية في الاقتصاد الأردني. فكان التركيز بالأساس على تحديد هذه القطاعات التي ممكن أن تقود قاطرة النمو الاقتصادي، إضافة الى أكثر هذه القطاعات خلقاً لفرص العمل والتشغيل، وقد أظهرت القطاعات الصناعية إجمالاً مستويات في نسب النمو المتوقعة وقدره عالية على التشغيل.
ثانياً، ما يميز هذه الرؤية هو النظر للتشابكات الأمامية والخلفية لكل قطاع، فالحديث الذي تم عن محفزات وممكنات أي قطاع اقتصادي (نمو القطاع عمودياً) لم يكن بمعزل عن القطاعات الأخرى والعلاقة التشابكية معها (العلاقة الأفقية بينها)، فلا يمكن الحديث عن قطاع السياحة وتنميته مثلاً بمعزل عن قطاع تكنولوجيا المعلومات والنقل.
ثالثاً، هذه الرؤية لا تمثل رؤية حكومية بل هي الرؤية الاقتصادية للدولة الأردنية؛ حيث شاركت الحكومة بجزئية منها ولم ترسم كل ملامحها. وقد كان للقطاع الخاص دور أساسي ومحوري في رسم ملامح هذه الرؤية ولم يكن فقط “ضيف شرف”؛ حيث أشار للتحديات والمشاكل الكامنة في كل قطاع وقام بتقديم الحلول المقترحة التي تم دراستها والنقاش حولها باستفاضة.
رابعاً، أكثر ما يميز هذه الرؤية الواقعية بالطرح، سواء على صعيد نسب النمو الاقتصادي في كل قطاع أو على صعيد فرص العمل الممكن توفيرها أو عند الحديث عن مصادر التمويل للمشاريع والمبادرات المزمع عقدها، فإذا ما استطعنا تحفيز النمو الاقتصادي ليبلغ بالمتوسط معدلات نمو تقارب 4 % مثلاً (وهو معدل نمو ليس مستحيلا) نستطيع نظرياً وخلال عشر سنوات توفير 800 ألف فرصة عمل، وبالتالي الحديث عن مليون فرصة عمل بمعدلات نمو تقارب 5 % ليس حديثا حالما أو من ضروب الخيال.
خامساً، هذه الرؤية هي رؤية عابرة للحكومات وبرقابة ملكية؛ حيث سيتم عكس هذه الرؤية في كتب التكليف السامية عند تشكيل الحكومات المتعاقبة، وسيكون تقييم الأداء الاقتصادي لتلك الحكومات من خلال مؤشرات القياس والأداء التي تضمنتها، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الرؤية قابلة للتعديل كل 3 سنوات وليس للإلغاء أو التبديل، فالمتغيرات الاقتصادية كثيرة وقد يصعب التوقع بها دائماً كجائحة كورونا والحرب الأوكرانية مثلاً.
أي دولة في العالم يفترض أن يكون لها “هوية اقتصادية” تشكل بوصلة لها تبين وتوضح مساراتها والقطاعات ذات الميزة التنافسية لها والأكثر تشغيلاً وخلقاً لفرص العمل للداخلين الجدد لسوق العمل، وقد أتت هذه الرؤية في محاولة السعي الجاد والعلمي والموضوعي لرسم ملامح “الهوية الاقتصادية” للاقتصاد الأردني.
(الغد)