هذه قصة حقيقية، صاحبها وهو رئيس حكومة سابق، ما يزال حيا يرزق، وقد رويتها ذات مرة وأعيد روايتها مرة جديدة، تعميما للفائدة، وللذكرى التي احياها كل عام على معنى كلامه.
كنت في مكتبه في رئاسة الوزراء قبل سنوات طويلة، والرجل مخضرم وليس سهلا، وكان يشرح لي عن سياسات حكومته، التي كانت تراجع ضمن ما تراجعه الجمارك والرسوم على السيارات المستوردة، حيث كان متوقعا ان تنخفض اسعارها ليقول لي بكل صراحة بعد أن أقسم مثنى وثلاث ورباع انه سيأتي يوم ستكون فيه امام بيت كل اردني، سيارتان وثلاثة سيارات، ثم سيأتي يوم لن يستطيع هذا البيت تحريك الا سيارة واحدة من هذه السيارات الواقفة عند بوابة المنزل، قاصدا ان اسعار الوقود على المدى البعيد ستصير مشكلة كبرى، مع الاشارة هنا الى ان توقيت كلامه كان في عز انخفاض اسعار النفط، بما يعني ان كلامه كان غريبا، وكان يستبصر به غامض الغيب بطريقة ما، وقد غادرته يومها، وأنا لفرط جهلي لا اصدق توقعاته التي حدثت فعليا.
انخفضت اسعار السيارات، وتم فتح البلد لكل انواع السيارات المستعملة، التي تدمر البيئة، وتتسبب بالحوادث لقدمها، فوق قطع الغيار غير الاصلية، واصبحت اطنان الحديد القديم تجوب مدن الأردن، ليكون عندنا اليوم اكثر من مليون ونصف مليون سيارة تجبي انواع الضرائب المختلفة، وقد حدث بالفعل ما توقعه الرئيس، فقد تسابق الناس لشراء السيارات عبر المصارف وبالتقسيط، وها هم اليوم، لا يمتلكون القدرة على تمويل وقود سيارة واحدة بسبب ارتفاعات الوقود من بنزين وديزل، مع اقرارنا ان من حق الانسان امتلاك سيارة مثله مثل بقية البشر.
الأردني وحده من شعوب العالم يدفع ثمن السيارة اربع مرات، والسيارة المستوردة الرخيصة والمستعملة قد لا يتجاوز ثمنها ألفي دينار، ومع الرسوم والضرائب يصبح ثمنها أربعة آلاف دينار تقريبا، وهذا يعني ان المشتري دفع ثمنها مرتين، ثم لو حسبنا ضرائب البنزين، وليس ثمن البنزين ذاته على مدى اربع او خمس سنوات من استعمال ذات السيارة، ورسوم الترخيص والتأمين والمخالفات والتصليح لوصل المبلغ ربما الى ألفي دينار، وهذا يعني انه دفع ثمن السيارة الاصلي للمرة الثالثة، ولو اشتراها عن طريق المصرف لاكتشف انه دفع ثمنها مرة رابعة بسبب الفوائد المصرفية، التي يتكبدها على مدى سنوات بشكل متدرج يجعله يكتشف انه لو حسب حساباته بشكل دقيق يجد انه دفع ثمن سيارته مقارنة بسعرها الاصلي قبل استيرادها، اربع مرات في المتوسط.
الحكومة وكل الوزراء فيها والمسؤولون يتحدثون عن رفع اسعار الوقود، كحال اغلب دول العالم، والخبراء الدوليون يحذرون من ارتفاعه الى 150 دولارا، وهذا يعني اننا قد لا نقف عند 4 رفعات محتملات تم الحديث عنها، في الوقت الذي تقول فيه الجهات الرسمية ان الرفعات الاخيرة لاتغطي 22 بالمائة من فروقات الاسعار وعلى اساس سعر 85 دولارا وليس سعر الـ120 دولارا الحالي.
الخلاصة هنا تقول ان كل شيء سوف يتغير، قبلنا او رفضنا، لاعتبارات كثيرة، منها الوضع الداخلي، وتأثيرات الازمات العالمية، وما هو مؤسف هنا ان شبكات النقل المحلي ليست بديلا مناسبا عن السيارات، وسنجد انفسنا نضطر اجباريا ان نغير انماطنا، من حيث حركة السيارات واستعمالها كل ساعة، وقد تستجد انماط موجودة مثل استعمال السيارة لإيصال اكثر من فرد اذا كان ذلك ممكنا، وهي انماط ستكون اجبارية، في ظل هذه التغيرات التي نراها تتسارع حولنا.
ربما استعمال الافراد أقل تأثيرا من كلفة الوقود على النقل واسعار السلع، وهذه ستتعرض الى رفع وفقا لأسعار الوقود، من المواد الغذائية الى الخضار والفواكه، وحتى اسعار المواصلات.
ندخل زمنا اصعب بكثير مما رأينا سابقاـ والتراشق بالمسؤوليات، والاسباب، لن يغير من الواقع شيئا، ولا نجد كلاما يقال هنا، سوى الدعاء الى الله ان يلطف بنا، مع الدعوة مجددا للجهات الرسمية ان تبتكر حلولا للتخفيف عن الناس، وان يعيد الناس النظر فيما يمكن اعادة النظر فيه من طريقة انفاقهم، وصرفهم، دون ان ننسى ان الغالبية مالها قليل اساسا، ولا تتدبر شؤونها فيه، وستحمل كلفة اضافية مستجدة فوق الظروف التي تواجهها في الاساس.
(الغد)