قصور التشريع الاردني في مواجهة جرائم التحرش
د. أشرف قوقزة
08-06-2022 11:25 AM
باتت ظاهرة التحرش تتنامى وتكبر بشكل متسارع وغير مسبوق وخاصة مع خروج المرأة إلى التعليم والعمل وتزايد فرص الاختلاط بين الرجال والنساء، ورغم أن هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان في العالم، فهي تشكل ظاهرة كونية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات حتى المنفتح منها إلا أن انتشارها في المجتمع الأردني بات ملحوظا وينذر بظاهرة إجتماعية خطيرة وخاصة في أماكن تزيد فيها فرص الإختلاط كالجامعات والمؤسسات التعليمية والصحية واماكن العمل، وخاصة في ظل غياب وجود تشريعات فعالة تتناول موضوع التحرش بشكل صريح وواضح بكل أشكاله وتبنيها لعقوبات رادعة.
كما تواجه ظاهرة التحرش وحتى محاولة الكشف عنها بحالة من المقاومة والإنكار والتقليل من شأنها، ومحاولة المجتمع بكل طبقاته السياسية والاجتماعية غض الطرف عنها بسبب العادات والتقاليد السائدة والميل للوم الضحية وتحميلها عبء الإثبات الذي أدى إلى حالة من السكوت والإنكار ومهاجمة كل من يطرحها كظاهرة وإشكالية، وهذا يساهم بلا شك في استمرار إفلات الجاني من العقاب وتكرار فعله على الضحية وضحايا آخرين وتشجيع الآخرين على ذات الفعل وكذلك تطور التحرش من مجرد إيماءات والفاظ ليصل إلى مستوى التحرش الجسدي.
وتختلف رؤية الدول لموضوع التحرش إذ دشنت بعض الدول قوانين تحدد تعريف التحرش بكل اشكاله بشكل واضح وصريح وتضع له العقوبات الرادعة مثل: السويد وفرنسا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة وتركيا، والبعض الآخر من الدول لم تورد قوانينها تعريفاً محددا لذلك، واكتفت بتوصيف الأفعال التي تشكل تحرشاً أو ما يطلق عليها ببعض التشريعات بالأفعال المنافية للحياء مثل الدنمارك والنرويج وتونس والجزائر والاردن.
وفي السياق الاردني اقتصرت خطة المشرع الاردني في مواجهة التحرش على ما ورد في قانون العقوبات المواد (305، 306، 320) على تجريم الأفعال المنافية للحياء ومضاعفة العقاب عليها في حال كان الفاعل من الأصول أو المحارم أو ممن لهم سلطة شرعية أو قانونية أو في حال ارتكابها من قبل شخصان فاكثر أو في حال التكرار، وكذلك ما ورد في قانون العمل المادة (29) والتي تتيح للعامل ترك العمل مع احتفاظه بحقوقه وللوزير اغلاق المؤسسة في حال وقوع اعتداء جنسي على العاملين، دون الإشارة بشكل صريح الى التحرش ودون وضع تعريف محدد للتحرش واشكاله المختلفة وتجريمه في إطار التشريعات ذات العلاقة أسوة بالممارسات الدولية الفضلى في هذا المجال، والتي عملت على وضع تعاريف للتحرش وتجريمه في الأماكن الأكثر اختلاطا في اطار التشريعات المختلفة كتشريعات العمل والصحة والتعليم، وذلك بتعريف وتجريم التحرش في مكان العمل والتي تعاني فيه الضحية من أي شكل من أشكال الضرر المقرون بالوظيفة أو الترقية أو إعادة التوظيف أو استمرارية الوظيفة، وتعريف التحرش وتجريمه في المؤسسات التعليمية والذي يرتكب اتجاه أي طالب/ طالبة والتي تجعل الظروف المواتية علامة تضمن النجاح أو الحصول على مستوى تعليمي تالي أو تقديم درجات الامتياز أو المنح التعليمية، وكذلك تعريف التحرش وتجريمه في الأماكن العامة والمزدحمة كالباصات والقطارات والتجمعات والاسواق، وفي الأماكن الخالية من المارة أو المظلمة، وتتعدد أشكاله، الأمر الذي يقتضي وبشكل ملح إجراء مراجعة تشريعية شاملة جدية بالنص على جريمة التحرش وتعريفها بشكل صريح وتجريمها في اطار تشريعات الصحة والعمل والتعليم وتغليظ العقوبات عليها وفق افضل الممارسات الدولية في هذا المجال.