السعودية وبايدن .. أخيراً جاءت اللحظة
د. منذر الحوارات
08-06-2022 12:00 AM
بين السعودية والولايات المتحدة ودٌ قديم لا يمكن تسطيحه بصيغة النفط مقابل الأمن، ولا بمواقف الرؤساء اياً كانت اتجاهاتهم لكنه يرتبط بما هو أعمق من ذلك، فهو بالنسبة للسعودية يتعلق بمكانة الولايات المتحدة كصانع رئيسي للسياسة العالمية، ومشرفة على موازين القوى في الساحات الكونية بمختلف مواقعها، أما بالنسبة للولايات المتحدة فالسعودية تعني دولة وفضاء ذا مكانة جيوسياسية مهمة بالإضافة إلى المكانة الإقليمية إسلامياً وعربياً عدا عن قدرتها الاقتصادية والنفطية، كل ذلك يفسر انطلاق العلاقة بين البلدين في لحظة الصعود الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية في العام ١٩٤٥ بين الرئيس روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود على متن الطراد الاميركي كوينسي وهو كان قد التقى زعماء إقليميين مهمين مثل الملك فاروق وهيلا سيلاسي إمبراطور اثيوبيا، كل ذلك حصل بعد مؤتمر يالطا الذي حدد معالم النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، إذاً لا يمكن قصر ذلك اللقاء السعودي الأميركي على النفط فقط بل كان جزءاً من الإعداد لنظام إقليمي للمنطقة برمتها ومنطقة الخليج بزعامة السعودية، فكلا الطرفين كان يريد الاستفادة من ميزات الطرف الآخر واستغلالها لمصلحته..
طبعاً كان النفط جزءاً من هذه المعادلة وليس كلها ومما لا شك فيه أن السعودية اقتنصت دعم المارد الاميركي الصاعد لمكانتها واستقرارها وكذلك الولايات المتحدة استثمرت في موقع السعودية ومكانتها للتفوق على خصومها وأعدائها.
كلا الطرفين استفادوا من هذه العلاقة والتي لم تكن دافئة في اغلب الاوقات فقد مرت عبر تاريخها بموجات من الشد والجذب كان اخطرها في العام ١٩٧٣ حينما قررت السعودية قطع النفط عن الدول الغربية بسبب دعمها (لإسرائيل) في الحرب، وفي الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ بعد تفجير برجي التجارة العالمية وفي العام ٢٠١١ حينما تباينت الرؤى بين الطرفين حول دعم الولايات المتحدة لإسقاط بعض الانظمة الحليفة لها، وفي العام ٢٠١٥ حينما وقعت إدارة باراك أوباما اتفاق جنيف النووي مع إيران، لكن السؤال الذي يلح على كل متابع هل كان هذا الحدث هو نقطة الانطلاق في تراجع العلاقات ام كان منتهى لصيرورة متكاملة من التراجع بين البلدين منذ اوباما مروراً بمن جاءوا بعده من الرؤساء حتى في زمن دونالد ترامب والذي يُتهم بأنه صديق للسعودية فقد رأينا كيف سلّع العلاقة وحولها من علاقة استراتيجية الى مجرد منفعة تجارية بحتة تخدم أهدافاً انتخابية ضيقة، لذلك سمعنا في كثير من خطابات جوزيف بايدن هجوماً لاذعاً غير مبرر على السعودية.
لا شك أن الولايات المتحدة تستخدم حقوق الإنسان كواحدة من وسائل الضغط على الحلفاء والخصوم في نفس الوقت فلطالما مرت مرور الكرام عن انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في دول عديدة حينما تقتضي مصلحتها ذلك وفي نفس الوقت قد تتوقف عند قضية وتضخمها وتنفخ بها إذا اقتضت نفس تلك المصلحة ذلك.
إذاً علينا البحث عن نظرية اخرى لتردي العلاقات، فالعلاقة بين الدولتين ارتبطت دوما بترتيبات متعلقة بالنظام الاقليمي وأهميته ومن الواضح ان الولايات المتحدة بدأت تقلل من اهتمامها بالمنطقة الخليجية ربما لقناعتها بأنها لم تعد تحظى بنفس الاهمية الاستراتيجية السابقة وان الاهتمام يجب ان يذهب الى مناطق اخرى تشكل تهديداً لها وهي شرق آسيا، وهذا ما حصل وبنفس الوقت يبدو أن السعودية أدركت ذلك وأضاف الانسحاب من افغانستان للقناعة بأن الولايات المتحدة في زمن الافول اذاً لا ضير من البحث عن شركاء جدد للاستناد على طاقتهم في استمرار قيادة السعودية للمنطقة وللمفارقة أنها توجهت بنفس الاتجاه الذي سارت عليه الولايات المتحدة حيث الشرق فبدأت بنسج علاقات استراتيجية مع الصين وروسيا وهو ما أغضب الولايات المتحدة التي اعتبرت ذلك بمثابة تمرد عليها.
أما بالنسبة للرئيس بايدن والذي حاول تجاهل الدور السعودي، فقد خذلته اللحظة التاريخية فغزو روسيا لأوكرانيا أعاد لخبطة الأوراق الاستراتيجية فأحيا من جديد مكانة الجغرافيا والنفط الخليجي خصوصاً أن السعودية هي الوحيدة القادرة على تسهيل معاقبة روسيا نفطياً إذا قررت دعم الموقف الأميركي بتعويض النفط الروسي لكن هذا لم يحصل فقد تمسكت السعودية باتفاق أوبك بلس مع موسكو وحرمت الولايات المتحدة من إحكام الخناق على الرئيس بوتين بالتالي تهدد المساعي الأميركية بالتقويض هذا من جهة، اما من جهة أخرى فإن ارتفاع أسعار النفط يهدد ?لعالم بركود اقتصادي كبير مترافق مع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة مما يخلق موجة من ارتفاع الأسعار يرافقها موجة غضب على بايدن وحزبه الأمر الذي سيؤدي الى خسارة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية وهذا سيجعل الرئيس بايدن مثل «البطة العرجاء» بدون قرارات، والسعودية تدرك جيداً اوراقها هذه وتستخدمها بذكاء.
(الراي)