بعيدًا عن تفاصيل حياتنا اليومية، ونشرات الأخبار والصحف العربية والأجنبية، والقضايا المحلية، وغضبي العارم تجاه منع تصدير الحبوب والزيوت من اوكرانيا إلى العالم، ورافق كل ذلك عودة عشقي إلى التاريخ فجأة وبدون مقدمات، لأعود أردنيًا وأكتب للتاريخ، آملًا أن اجعله أحدوثة كل فجر كما يقول معروف الرصافي.
الصديق أحمد سلامة (صاحب القلم الذهبي) عندما يذهب في رحلة إلى الجنوب، كان يقول لنا: "أنا ذاهب إلى القبلة" وبهذا سمحت لنفسي بأن أذهب إلى القبلة اليوم مع "عمون" العاصمة الأردنية درة تاج الهاشميين.
في الجنوب قرية اسمها "الحميمة" أبرز ملامحها بقايا حجارة كانت لقصور، لم نعطها حقها في الدولة الأردنية العتيدة، هذه القرية التي بدلت مجرى التاريخ، وحولته إلى ما هو أعلى مما كان عليه قبلها، حتى أن تاريخها وآثارها عمت الشرق والغرب في زمن قليل، فانطلقت منها دعوة الثورة العباسية، ودون تدخل مني ضد الظلم الأموي، وأرست حضارة تعود إلى سيد المرسلين نبينا محمد صلوات الله عليه، وكانت تنتمي إلى العباس والإمام علي بن ابي طالب، وصولًا إلى أبناء فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم.
لن أسهب فأختار اثنين من الذوات الهاشميين، اللذان ولدا في قرية الحميمة.. الخليفة عبدالله بن العباس، الأخ الأصغر وأول ملوك بني العباس، وأبو جعفر المنصور الأخ الأكبر ثاني الملوك، وصاحب بناء مدينة السلام"بغداد".
يعود تاريخ الحميمة إلى 90 قبل الميلاد وحتى نهاية العصر الأموي.. ويقول تاريخنا الأردني اليوم، أن عدد سكانها في عام 2015 يبلغ 164 نسمة فقط.
وأشارت بعثات التنقيب إلى مجموعة من الأبنية والآثار، يعود تاريخها للعصر النبطي، والروماني، والبيزنطي.. ولا يزال فيها بقايا حصن روماني كبير، وحمام عام من العصر الروماني، وهناك خمس كنائس بيزنطية، وبركتين، ومجموعة من السدود، وقناة للمياه طولها 26 كيلو متر، كانت تجلب مياه الشرب من ثلاثة ينابيع من رأس النقب، إلى بركة تقع عند الحافة الشمالية لقرية الحميمة.
تقول الحفريات الأثرية أن هناك موقعًا أقيم للملك النبطي الحارث الثالث في عام 52 قبل الميلاد، وكان الموقع عبارة عن قصر تحيط به المياه، والورود، والأشجار الجميلة، إضافةً إلى قصر كانت تسكنه الأسرة العباسية، شكله مستطيل ويجاوره مسجد، وهذا القصر لا يشبه القصور الأموية في الأردن، كقصر عمره، والمشتى، والحرانة، والقسطل.
بعيدًا عن كل هذا تظل الحميمة في واقعها الحالي، متجاوزين التاريخ واللمعات التي كانت تحصل من اصطدام المعول بالحجر في البتراء، وأم قيس، والحميمة التي تؤرخ بحوافر الخيل، وهي تصطدم بالأرض الأردنية تنشر الضوء، وتطوف أنحاء المعمورة، حاملة راية القرآن والسنة النبوية، وترتدي غطاء الرأس "الأسود" حدادًا على ما قد حصل، في فترة نبينا العظيم، والخليفة علي بن ابي طالب، وابناء فاطمة الزهراء.
واليوم..اتوجه بالصراخ إلى حكومتنا الرشيدة، وإلى وزيرها صاحب السياحة والآثار، مطالبًا بإلتفافه إلى الحميمة.. وكلي أمل وخوف لأن لدينا تجربة في قصر علي باشا الكايد، مهوى فؤاد الجد المؤسس العظيم عبدالله بن الحسين، الذي بقي على حاله.
أمري إلى الله وكعادة الأردنيين الذين عرفوا ويعرفون أين التوجه.. فأتطلع إلى صاحب التاج سيد البلاد، ليأمر بما شكوت منه ليضع الأمر في نصابه.
عاش الملك وحمى الله الاردن.