الذات الوطني والاقتصاد الانتاجي
د. حازم قشوع
07-06-2022 10:54 AM
ستبقى رؤية التحديث الاقتصادي تشكل جزء من كلية الخطة الاستراتيجية التي تبدأ من رؤية لكنها بحاجة الى رسالة ومحددات وبيان التحديات الذاتية والموضوعية اضافة الى تحديد السياسات وبيان الاهداف وتوضيح بوصلة الغايات في المقام الاول اما في المقام الثاني فان الامر بحاجة الى خطة تنفيذية وبرنامج عمل وهي جميعها مازالت في عهدة الحكومة لكن الرؤية اناطت هذه المهمات للوزارات المعنية في التخطيط والتوجيه والمرجعيات الرقابية التقييمية في مجلس الوزراء وبرنامج المتابعة التنفيذية للديوان الملكي تلك هي الجملة المفيدة التي جاءت بها رؤية التحديث الاقتصادي.
مع ان عملية الانتقال بالحالة الاقتصادية الى منزلة الاقتصاد الانتاجي هي بحد ذاتها رؤية وكان قد بينها جلالة الملك في
رؤيته نحو اردن افضل وهي كانت بحاجة الى استراتيجية عمل توضح بوصلة الاتجاه وخطة تنفيذية تضع الاطار العام لعناوينه لكن ما جاء في مضامين الرؤية التحديثية يمكن البناء عليه باعتباره مادة مفيدة للحوار وابداء الرأي.
ان عملية بناء الذات الوطني بحاجة الى ارادة قادرة لاعلاء العامل الذاتي ليكون اعلى من الظرف الموضوعي الضاغط وهذا ما بحاجة الى تغيير في نهج العمل وليس في البرنامج فحسب بحيث يقوم هذا النهج على الوازع والحافز ولا يقف عند منظومة الضابط والرادع حتى يتم التعامل مع القطاع الخاص بتشاركية ومع التشريعات من منطلق جديد ياخذ من روح القانون وعلى يقف عند نصوصه عند تصميم القوانين الاقتصادية اوعند بناء برامج الواجبات الاخرى المتممة كالاجتماعية والخدماتية.
وحتى يستقيم بنا الحال ونصل الى مكانة التأهيل التى تمكننا من الولوج تجاه منزلة الاقتصاد الانتاجي فان العمل يتطلب اتباع نظام المراحل الظرفية التي تتعامل مع المستجدات المتغيرة بردة فعل مرنة الامر الذي يوسع من هامش المناورة ويتعاطي بمرونة مع المستجدات الموضوعية التي مازال تتغير برتم سريع يصعب على العامل الذاتي التعاطى معه وامتلاك زمام المبادرة.
فان بناء ذاتية الاقتصاد الوطني القادر على الانتاج وليس على الاستهلاك والقائمة على التوظيف وليس على التشغيل/ الأشغال والعاملة على توطين المستثمرين بحاجة الى حواضن قادرة على الاحتواء بحيث تكون قادرة لاعادة تشكيل جملة النهج من واقع يقوم على جملة التحكم الى محتوى يقوم على تقديم الخدمة وبيان المنفعة حتى يحدث الفارق وتنشئ بيئة جاذبة وحاضنة للاقتصاد الانتاجي.
من هنا كان من المفترض ان يبدأ برنامج العمل بالمعكوس بحيث يبدأ خطة العمل بمبادرات تطال مختلف القطاعات حتى ننتقل الى وعاء متحرك ينتقل بالاقتصاد عن حالة الركود الى حالة الحركة على ان يأتي ذلك ضمن مركزية عمل تقوم على رؤية شمولية وبرنامج عمل يقوم على متابعة وتيرة سير هذه المبادرات الانتاجية حتى تتم عملية التحول للمقام الاخر في مرحلة الاقتصاد الانتاجي ويتم رصد الاشكالات والوقوف على التحديات بما يخدم اليات التفاعل ويوسع من حجم المشاركة ويقوي من مقدار المساهمة تجاه المبادرات القطاعية.
على ان يأتي ذلك ضمن برنامج عمل ميداني يكون هدفه المباشر اخذ زمام المبادرة بطريقة ذاتية بحيث يقوم على اسثمار الموارد البشرية والموارد الطبيعية ضمن جملة تنموية يعاد توظيفها من اجل تحقيق مناخات عمل جديدة تسمح بولادة ظروف مواتية للاقتصاد الانتاجي فان بداية العمل بهذا المقام من المفترض ان تقوم على المبادرة وليس على رسم صورة يكمن مشاهدتها من رؤية تحديثية فان الجميع ينتظر من الحكومة قرارات تقوم على مبادرات تحرك حالة الركود السائدة.
اما نقطة التحول في حواضن الاقتصاد الوطني فلقد جاء من بداية المئوية عندما قام جلالة الملك بتغيير طبيعة الدور الوظيفي من مكانة (عازل واصل ) ضمن محيط متغير الى منزلة علامة فارقة انتاجية تعتمد على الامن والتدريب العسكري عبر الاتفاقية العسكرية الاردنية الامريكية التي حصلت الاردن بموجبها على حواضن جديدة انهت بموجبها هواجس الوطن البديل وحصنت ذاتها من المحيط المغير كما استثمارها في بناء الذات الوطني وايجاد حوامل ذاتية من واقع تغيير نظام الضوابط والموازين بين بيت السلطة الذي يضم (الديوان الملكي والمؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية) وبيت الحكم الذي يضم (الحكومة والاعيان والنواب ) لما لهذا العامل من اهمية في استثمار الظرف الناشئ نتيجة تغيير حواضن العمل والبيئة الاستثمارية قيد التشكيل الناتجة عبر هذه الاتفاقية التي جاءت مع بداية المئوية.
عندما بدات ترسم معالم جديدة لمحددات خارطة طريق تقوم على كيفية التعامل مع الظرف الموضوعي الذي جاء مع هذه الاتفاقية لمدة 15 عاما وكيفية الاستفادة منها لاحداث علامة فارقة اقليمية تقوم على الدور العسكري والامني من خلال برنامج التدريب والاعداد والتأهيل اضافة الى برنامج التصنيع الامني وحواضنه المدنية في الصناعة المعرفية وعلوم الذكاء الاصطناعي والامن السيبراني المتمم وهي الحاضنة التي من المفترض ان تشكل العصب الحامل الجديد للاقتصاد الوطني.
وفي ظل تنامي حركة الطيران المباشر مع الولايات المتحدة فان برنامج الاقتصاد الخدماتي المرتكز عليه اقتصادنا الوطني من المفترض ان يتم تغيير نهجه وانماطه من اقتصاد كان يعتمد على مسارات نمطية في تقديم الخدمات السياحية والتعليمية والصحية الى انماط تشاركية تقوم على احداث التبادل المعرفي في كل هذه المجالات وتوطينه بحيث يتم نقل مجموعة العلوم المعرفية لتخدم النماذج الصحية والتعلمية واقامة علاقة تشاركية سياحية مع الولايات المتحده تكون فيها الاردن مركز منطلق للاقليم.
اما في مسألة انشاء مدينة نموذج فان (العقبة + وادي رم ) يمكنها ان تشكل نموذج مدينة (ايلة) وهي ستكون مدينة من مدن اقليم البحر الاحمر الواعد على ان يتم بناء نماذج جديدة لا تقتصر على السكن بل تقوم على العمل وانشاء منشآت جديدة تقوم على الانتاجية والاستثمار بالحواضن الجديدة في انشاء شبكة للقطارات الخفيفة الواصلة من البحر الميت باتجاه منطقة ايلة الجديدة هذا اضافة لانشاء توسعة في الميناء البحري والجوي في العقبة وتوطين نماذج استثمارية جديدة للمدن الذكية يتم بموجبها تخفيف فاتورة الكهرباء والمياه على الفنادق السياحية كونها تشكل ثلث فاتورة الاستهلاك بهذا نكون قد استثمرنا وجودنا بجغرافية اقليم البحر الاحمر الواعد وأوجدنا علامة فارقة انتاجية للاردن تقوم على الامن والاقتصاد الخدماتي لكن بعصب حامل يعمل على بناء الذات الوطني عبر مبادرة وتكوين روافع للاقتصاد الانتاجي عبر استراتيجية عمل لا تقف عند رؤية.